اعتبر المحلل السياسي والعسكري اللبناني ناصر قنديل أن معركة طوفان الأقصى لم تكن مجرد مواجهة عسكرية محدودة، بل شكلت فرصة استراتيجية كبرى أعادت تعريف الوعي في المنطقة، وأسقطت أوهام الطائفية، وكشفت أن الأخلاق والمبدأ أقوى من كل ما تملكه واشنطن وتل أبيب من سلاح وتقنيات.
الطوفان… فرصة استراتيجية لتغيير واقع الأمة
يقول قنديل: “نحن والعدو الصهيوني أخطأنا الرهان على جماعتنا. كنا نعتقد أنه من المستحيل أن تقع حرب عنوانها فلسطين، ولا تهتز الأمة، ولا تخرج الجماهير بمئات الآلاف، ولا تتغير مواقف الحكومات.”
لكنه أشار إلى أن خيبة الأمل الكبرى كانت في ردّة فعل الشارع العربي والنخب، مقابل ما وصفه بـ”الخذلان الغربي” للكيان.
ويضيف: “نحن خُذلنا بسبب حقّنا، وهم خُذلوا بسبب باطلهم، ولهذا خذلانهم دائم، ووعينا سيعود إلى الحق، لأن الحق لا يموت، ومن يكتشف الباطل لا يلبث أن يلتحق بالحق نهائيًا.”
الأنظمة العربية… بين التواطؤ واللامبالاة
انتقد قنديل مواقف الحكومات العربية قائلاً:
“نصف الأنظمة العربية متواطئة، والنصف الآخر ناعم متردد. لو أرادوا، لكان بوسعهم أن يستخدموا أوراق القوة التي تحدث عنها السيد عبدالملك الحوثي: قطع العلاقات السياسية، وقف التبادل الاقتصادي، ومنع الطائرات والسفن الإسرائيلية من العبور.
”
وأكد أن خطوة واحدة من هذا النوع كفيلة بأن تجبر “إسرائيل” على التراجع عشر خطوات، لكنها لم تلقَ الإرادة السياسية.
وأضاف:”بدل أن يضغطوا على العدو، ذهبوا لتوقيع اتفاقات مع ترامب ثم مع نتنياهو دون مشاورة أحد. ومع ذلك، لم يجرؤ أي حاكم عربي على الاعتراض!”
المقاومة تفتح الأبواب… والأنظمة تتقاعس
شدّد قنديل على أن المقاومة، رغم إدراكها لحجم الخذلان الرسمي العربي، ما تزال تتعامل بأخلاق عالية ومسؤولية وطنية: “المقاومة لا تحاسب أحداً، بل تمدّ اليد للجميع. تريد أن تجنّد كل الإمكانات والطاقات في معركة الشرف والكرامة والحق والدين والوطن والقومية.”
وأوضح أن هذا السلوك الأخلاقي هو ما منع الساحة من الانقسام، رغم التباينات الطائفية والسياسية.
طوفان الأقصى أنهى أسطورة الطائفية والمذهبية
أشار قنديل إلى أن الطوفان دمّر عملياً خطاب الفتنة المذهبية: “في محور المقاومة هناك سنة وشيعة وعرب ويمنيون، وكلهم يقاتلون في خندق واحد. إذا كانت الطليعة السنية المسلحة هي حماس، والطليعة الشيعية هي حزب الله، والطليعة العروبية الإسلامية هي اليمن، فكيف يمكن الحديث بعد ذلك عن صراع مذهبي؟”
ثم أضاف ساخراً: “من يقول إنه يدافع عن أهل السنة ولا يفعل شيئاً لغزة، فليتأمل من هو الأقرب لأهل السنة الحقيقيين: نحن الذين نقاتل مع غزة، أم أولئك الذين يحتضنون القواعد الإسرائيلية في أذربيجان؟”
سوريا بين الخسارة العسكرية والربح الأخلاقي
تحدث قنديل عن الموقف من سوريا قائلاً: “قد تكون المقاومة خسرت عسكرياً في سوريا، لكنها ربحت أخلاقياً. أثبتت الأحداث أن الحرب على دمشق لم تكن من أجل الحرية أو الإصلاح، بل لنقلها من ضفة الصراع مع إسرائيل إلى ضفة التطبيع معها.”
وأضاف: “هذا الانتصار الأخلاقي جعل المقاومة أكثر ثباتاً، وأظهر أن موقفها من سوريا كان نابعاً من بصيرة ووعي، لا من مصلحة آنية.”
السيد نصر الله: مدرسة أخلاقية في زمن الحرب
توقف قنديل عند موقف السيد حسن نصر الله قائلاً: “السيد نصر الله كان يعلم أن فتح جبهة باسم فلسطين من حدود لبنان كسرٌ لكل الخطوط الحمراء. ومع ذلك مضى في القرار وهو واضع الاستشهاد أمام عينيه.”
وأضاف: “العدو أراد باغتياله أن يسقط الروح القتالية في الجبهة، لكن المقاومين قاتلوا بدافع الدم والدين، فارتفعت معنوياتهم بدلاً من أن تنكسر.”
اليمن: الجوعان الذي يعلّم العالم معنى الكرامة
وخصّ قنديل اليمن بفقرة مؤثرة: “اليمن الجائع المحاصر لا يساند غزة بالصواريخ فقط، بل بملايين المتظاهرين كل أسبوع. هذا الشعب الذي أنهكته الحروب والحصار يخرج من أجل فلسطين، ليُعلّم البشرية كلها أن الجوع لا يُطفئ كرامة الإنسان.”
وتابع: “حين يرى الأوروبي الجالس في باريس أو لندن أن اليمني الجائع يخرج من أجل فلسطين، يدرك أنه هو المقصّر، ولهذا بدأت شوارع الغرب تخرج مع فلسطين بعد أن تعلمت الدرس من صنعاء.”
الأخلاق… السلاح الأقوى في معركة غير متكافئة
ختم قنديل حديثه قائلاً: “إذا جرّدنا الحرب من مضمونها الأخلاقي، فستبدو كمعركة خاسرة أمام التفوق الأمريكي والإسرائيلي في السلاح والتكنولوجيا. لكن ما يثبت أن الأخلاق أقوى من كل ترسانة العدو هو أن غزة تصمد حتى الآن.”
وأضاف بتأمل: “ما الذي يجعل المقاتل الفلسطيني يواجه دبابة وحده؟ إنه التفوق بالروح والروح ابنة الأخلاق.”
انهيار الروح الإسرائيلية مقابل صمود غزة
أشار في الختام إلى المفارقة الكبرى:
“الروح القتالية في كيان الاحتلال انهارت، بينما في غزة يواصل الناس حياتهم رغم الجراح والجوع وفقدان الأبناء. هؤلاء لا يرفعون الراية البيضاء، بل يرفعون راية الكرامة. هذه هي معجزة الطوفان.”