في اعترافٍ أكاديمي نادر يُعرّي العبث العسكري الأمريكي في المنطقة، كشف مشروع “تكاليف الحرب” التابع لكلية واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 4.9 مليارات دولار خلال عام واحد فقط (من أكتوبر 2024 حتى سبتمبر 2025) على العمليات العسكرية المرتبطة باليمن، ليرتفع إجمالي الإنفاق إلى نحو 10 مليارات دولار عند احتساب نفقات العام المالي السابق.
ويؤكد التقرير أن هذا الإنفاق الضخم لم يحقق نتائج ميدانية ملموسة، بل كشف عن فشل استراتيجي وارتباك إداري في إدارة الصراع، في حين حققت صنعاء مكاسب عسكرية ومعنوية متصاعدة رغم الحصار والعدوان المستمر منذ سنوات.
هدر مالي ضخم دون جدوى ميدانية
يشير التقرير إلى أن العمليات ضد اليمن استحوذت على أكبر بند إنفاق في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2025 ضمن مخصصات القيادة المركزية، سواء في إطار استهداف مواقع يمنية أو حماية خطوط الملاحة الدولية.
وقد استخدمت واشنطن ترسانة عسكرية متقدمة تضم قنابل زنتها 2000 رطل، وصواريخ دقيقة، ومنظومات دفاعية من نوع “باتريوت”، إضافة إلى نشر حاملتي طائرات، وقاذفات ثقيلة، وطائرات مقاتلة ومسيرات هجومية.
ويُبرز التقرير المفارقة الصارخة في فجوة الكلفة بين الأسلحة الأمريكية الفائقة الثمن والتهديدات اليمنية منخفضة التكلفة، إذ استخدمت القوات الأمريكية صواريخ اعتراضية بملايين الدولارات لاعتراض طائرات مسيّرة لا تتجاوز قيمتها ألفي دولار فقط، في مشهد يعكس اختلالًا اقتصاديًا واستراتيجيًا فاضحًا.
كما يلفت التقرير إلى أن نقل منظومات باتريوت جوًا عبر عشرات الرحلات العسكرية وتشغيل حاملات الطائرات كلّف الخزانة الأمريكية مبالغ فلكية خلال أشهر معدودة، ما أثّر سلبًا على الجاهزية التشغيلية للجيش الأمريكي في مناطق أخرى من العالم.
خسائر ميدانية موجعة
رصدت الدراسة خسائر مادية وبشرية في العتاد الأمريكي، شملت فقدان ثلاث مقاتلات من طراز F/A-18 بتكلفة 210 ملايين دولار، إضافة إلى تدمير أو فقدان عشرات الطائرات المسيرة من نوع MQ-9 بقيمة تقارب 800 مليون دولار.
كما تم إطلاق أكثر من 75 صاروخ “توماهوك” و20 قنبلة موجهة من طراز AGM-150، ما يعكس حجم الإنهاك المالي غير المسبوق في عمليات لم تحقق أي إنجاز حاسم على الأرض.
نتائج باهتة وصنعاء تتقدم ميدانيًا
رغم الإنفاق الهائل، خلص التقرير إلى أن نتائج العمليات الأمريكية كانت محدودة ومؤقتة، حيث استأنفت القوات اليمنية هجماتها بعد هدنة قصيرة ووسّعت نطاق عملياتها لتشمل استهداف سفن مرتبطة بإسرائيل وضرب مطارات وأهداف استراتيجية داخل الأراضي المحتلة، ما أحرج الإدارة الأمريكية وحلفاءها.
ويُظهر التقرير أن منطقة القيادة المركزية الأمريكية خصصت أعلى نسبة من أيام تشغيل حاملات الطائرات خلال عام 2025 مقارنة بالعام السابق، ما يؤكد استنزاف الموارد الأمريكية في مواجهة قوة إقليمية محدودة الإمكانات ولكن عالية الفعالية.
دعوات لمراجعة الاستراتيجية الأمريكية
وفي ختام الدراسة، دعت جامعة براون إلى إعادة تقييم شاملة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، مشددة على ضرورة تطوير منظومات دفاعية وهجومية أقل تكلفة وأكثر ملاءمة للتعامل مع الطائرات المسيرة والصواريخ اليمنية، بدلًا من الاعتماد على منظومات باهظة الثمن أثبتت عدم فاعليتها في مواجهة تكتيكات المقاومة اليمنية.
ويؤكد التقرير أن الولايات المتحدة تخوض حرب استنزاف مالية ومعنوية في مواجهة إرادة يمنية صلبة أثبتت قدرتها على قلب موازين القوة بوسائل محدودة، مما يجعل هذه الحرب نموذجًا جديدًا لفشل الهيمنة العسكرية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين.