تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي–الإماراتي جنوب وشرق اليمن تصعيدًا سياسيًا وعسكريًا متسارعًا يعكس حجم الانقسامات داخل ما يُعرف بـ“المجلس الرئاسي” والقوى المتحالفة معه، وسط ضغوط أمريكية غير مسبوقة لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتحصيل عائدات النفط والغاز من مأرب وعدن وحضرموت.
الإصلاح يوافق على تسليم مأرب بشروط أمريكية
أكدت مصادر سياسية أن حزب الإصلاح، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، وافق مبدئيًا على تسليم مدينة مأرب الغنية بالنفط بعد مفاوضات مكثفة مع السفير الأمريكي “ستيفن فاجن”، مشيرة إلى أن الحزب وضع جملة من الشروط مقابل هذا التنازل.
وبحسب المصادر، تضمنت شروط الإصلاح حصوله على نصف مقاعد الحكومة ونصف مناصب المحافظين، إضافة إلى رئاسة لجنة الموارد المالية التابعة لما يسمى بالمجلس الرئاسي، فضلاً عن نسبة من عائدات النفط تحت مسمى “حصة مأرب”.
وكشفت التقارير أن هذه المطالب طُرحت خلال لقاءات مكثفة في الرياض جمعت السفير الأمريكي بقيادات الحزب، بينهم عبدالرزاق الهجري وسلطان العرادة، برعاية سعودية مباشرة.
ويأتي هذا التحرك ضمن مساعي واشنطن والرياض لفرض ترتيبات جديدة في مناطق السيطرة، بعد فشل حكومة عدن في إدارة الموارد المالية. غير أن الإصلاح يواصل رفضه توريد إيرادات مأرب للخزينة العامة، محاولاً مقايضة نفوذه مقابل المال، فيما تشير مصادر دبلوماسية إلى احتمال رفض أمريكي لتلك الشروط.
انقسام داخل الرئاسي يفشل اجتماعات الرياض
في السياق ذاته، فشلت الجهود الدولية والإقليمية في عقد اجتماع جديد للمجلس الرئاسي وحكومته في الرياض بعد تعثر اللقاء للمرة الثانية خلال 24 ساعة، بسبب تصاعد الخلافات بين رئيس المجلس رشاد العليمي وعدد من الأعضاء حول تقاسم الصلاحيات والموارد المالية.
وأوضح المحلل الاقتصادي الجنوبي ماجد الداعري أن أعضاء في المجلس يتمسكون بتقنين صلاحيات العليمي وتوزيعها بالتساوي قبل أي اجتماع، ما أدى إلى تجميد المفاوضات التي كان يُفترض أن تعقد برعاية سفراء اللجنة الخماسية (السعودية، الإمارات، أمريكا، بريطانيا، فرنسا).
وأشار الداعري إلى أن الخلافات بين فصائل المجلس تعمّقت بسبب الفوضى المالية وتنازع الولاءات الإقليمية، مؤكدًا أن المساعي الغربية لاحتواء الصراع باءت بالفشل بعد عجز السعودية عن جمع الأطراف المتنازعة تحت سقف واحد.
خنق اقتصادي وعسكري لعدن
وفي ظل هذه الانقسامات، تواصلت حالة الخنق الاقتصادي والعسكري لمدينة عدن التي تُعد المعقل الأبرز للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات.
فعلى الصعيد الميداني، شهدت محافظة أبين اشتباكات دامية أسفرت عن مقتل قيادي في قوات الدعم والإسناد التابعة للمجلس الانتقالي وعدد من مرافقيه أثناء محاولتهم تفكيك عبوة ناسفة زرعها مجهولون في مديرية مودية.
وتزامنت هذه التطورات مع تصاعد السخرية السعودية من تصريحات رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي الذي أعلن رغبته بضم محافظات شمالية إلى ما يسميه “دولة الجنوب”.
وقال الإعلامي السعودي علي العريشي إن “الانتقالي الذي عجز عن السيطرة على وادي في أبين يتحدث عن ضم مأرب وتعز”، في إشارة إلى الاستهزاء الواسع الذي قوبلت به تصريحات الزبيدي داخل السعودية.
في الوقت نفسه، صعّدت الفصائل الموالية للرياض من حصارها الاقتصادي على عدن، حيث منعت قاطرات النفط والغاز من حضرموت من التوجه إلى المدينة، ما ينذر بانهيار جديد في منظومة الكهرباء التي تعتمد بشكل كلي على وقود حضرموت.
ويأتي هذا القرار عقب اتفاق سعودي رعته بين محافظ المؤتمر بحضرموت وزعيم حلف القبائل عمرو بن حبريش، في خطوة اعتبرها مراقبون استهدافًا مباشرًا للانتقالي ومحاولة لتجفيف مصادر تمويله.
الانتقالي يبرر تصريحاته المثيرة ويواجه سخرية داخلية
وبينما يتفاقم الخلاف داخل “شرعية الفنادق” الموالية للتحالف، دافع المجلس الانتقالي عن تصريحات رئيسه الزبيدي التي أثارت جدلاً واسعاً بشأن ضم محافظات مأرب وتعز إلى ما يسميه “الجنوب العربي”.
وقال الصحفي الجنوبي صلاح بن لغبر إن حديث الزبيدي جاء “لتفادي معضلات حل الدولتين في اليمن” ومحاولة “طمأنة اللجنة الرباعية بشأن مستقبل المناطق الشمالية الخاضعة للتحالف”.
لكن هذه التبريرات لم تخفف من حدة الغضب الشعبي والرسمي، إذ هاجمت النخب الجنوبية الزبيدي متهمة إياه بفقدان البوصلة السياسية، فيما سخر سياسيون شماليون من تصريحاته بدعوات ساخرة إلى “ضم تهامة وذمار والبيضاء وحتى صنعاء إلى دولة الجنوب”.
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تعكس مأزق الانتقالي وفقدانه للثقة داخلياً وخارجياً، خصوصاً بعد تراجع الدعم الإماراتي وتصاعد الغضب السعودي، مشيرين إلى أن المجلس يحاول إعادة تلميع صورته بعد فشله في فرض سيطرته على الأرض، وافتقاده لأي مشروع وطني حقيقي سوى خدمة أجندات الاحتلال الأجنبي.
خلاصة المشهد
تُظهر التطورات الأخيرة أن التحالف الموالي للعدوان يعيش مرحلة تفكك داخلي عميقة، فـ“الإصلاح” يساوم على مأرب مقابل المناصب والعائدات، و“الرئاسي” غارق في صراعات صلاحيات، و“الانتقالي” يثير السخرية بتصريحات وهمية عن التوسع شمالاً، فيما تبقى عدن محاصرة، منهكة، غارقة في الظلام والانقسام.
وفي المقابل، تواصل صنعاء مراقبة هذا الانهيار بهدوء وثقة، وقد ثبت أن من يقاوم العدوان يزداد قوة وثباتاً، ومن يراهن على الأجنبي ينهار من الداخل قبل أن يُهزم في الميدان.