سيكون إطلاق سراح الأسير الفلسطيني القائد مروان البرغوثي ورفاقه هو البلسم الشافي لأوجاعنا الفلسطينية المزمنة، ولعذابنا نحن أهل غزة على مدار سنتين من المحرقة.
الرمزية في تحرير الأسير مروان البرغوثي تتجاوز الإطار الإنساني، لتمثل صلب الصراع العربي الإسرائيلي القائم على كسر الإرادة، ولاسيما بعد أن غدرت القيادة الفلسطينية بعضو لجنتها المركزية، وتركته خلف الأسوار الإسرائيلية سجيناً لأكثر من 23 سنة، دون أن تحرك ساكناً، أو تغضب للحظة وطنية من أجله، بل تركته منسياً خلف القضبان، هو وعباس السيد، وإبراهيم حامد، وأحمد سعدات، وعبد الله البرغوثي، وحسن سلامة، والقائمة الطويلة من أبطال الشعب الفلسطيني، الذين لما تزل جدران السجن تأكل من لحمهم، وينهش القضبان عظمهم، وهم يتعذبون خلف أسوار السجون الإسرائيلية، أولئك الثلة الذين مضى على أسرهم عشرات السنين، دون أن يثأر لهم مسلمٌ أو عربيٌ أو فلسطيني، فقد تركهم الجميع مهملين، وتخلى عنهم الكل منهزمين، ومتهربين من المسؤولية، وكل ذلك باسم الوطنية والمصلحة العامة، حتى صار وجودهم خلف القضبان عاراً، وإقراراً فلسطينياً وعربياً بأحقية أمن المستوطنين على أمن الفلسطينيين، وبأحقية الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة على الأرض الفلسطينية دون مقاومة، وأحقية المستوطنين الصهاينة في قبض أرواح الشعب الفلسطيني، وذبحهم في الشوارع بالرصاص الإسرائيلي، دون أدنى اعتراض أو مقاومة، تلك المقاومة الشرعية التي لم تتخل عنها أضعف الحيوانات في الغابة.
اليوم تقف المقاومة الفلسطينية على خط النار الأكثر اشتعالاً، خط المفاوضات من أجل إطلاق سراح الأسرى من كلا الطرفين، وعلى رأس قامة الحرية مروان البرغوثي وعباس السيد وأحمد سعدات، وكل أولئك الذين يعتبرهم العدو الإسرائيلي إرهابيين وخطاً أحمر، ويرفض بكل حقد وكراهية أن يطلق سراحهم، في الوقت الذي ترى المقاومة الفلسطينية أن عنوان النصر والهزيمة في معركة طوفان الأقصى هو تحرير الأسرى، ولاسيما أولئك الذين تطهرت أيديهم بالمقاومة، وهذه هي معركة الإرادات، فمن سينكسر في هذه المعركة لن تقوم له قائمة؟ ومن ينتصر في هذه المعركة الإنسانية والوطنية والدينية فقد كُتب له البقاء، وظهر سيداً في الميدان.
معركة المفاوضات لتحرير الأسرى الفلسطينيين لا تقبل المساومات، ولا ترتضي الإنسانية أن يُصنّف الأسرى الفلسطينيون وفق انتماءاتهم وأفعالهم، في الوقت الذي ينظر فيه إلى الضباط الإسرائيليين الأسرى وكأنهم واحد، دون الرجوع لتاريخهم، وأفعالهم العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، لذلك فإن تحرير كل الأسرى ذوي المؤبدات نقطة إجماع فلسطينية، ومنطلق الإرادة الوطنية، إرادة تحرير الأسرى الفلسطينيين جميعهم دون استثناء، ولاسيما أولئك الذين أغلقت عليهم سجون الاحتلال، ولا مخرج لهم إلا صفقة تبادل الأسرى هذه.
إنها المفاوضات المصيرية والحاسمة، المفاوضات التي لها ما بعدها، وما أصعبها من مفاوضات! مفاوضات ليست تحت النار، وإنما مفاوضات تحت الذبح والتشريد والنزوح والتجويع والترويع، والسكين الإسرائيلية تحزُّ بالأحقاد الصهيونية على عنق الشعب الفلسطيني، مفاوضات الحصار والدمار، وهنا تكمن براعة الصمود لا فقه التوافق، وهنا تكمن براعة التحدي، والصبر، وتحمل المسؤولية والعواقب الوخيمة، لا فقه تجاوز المطبات، والتوصل لأنصاف الحلول وأنصاف التوافقات، وفي هذا الشأن لا يمكن تبرئة الدول العربية، والتي يجب أن تتخلى عن دور الوسيط، لتتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن الإنساني، وتصير الشريك.
تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية تفوق بأهميتها حرية الأرض الفلسطينية المحتلة من شمالها وحتى جنوبها.
وتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية تفوق بأهميتها تحرير المسجد الأقصى وقبة الصخرة من بين يدي الصهاينة،
حرية الأسرى هي أقدس من كل المقدسات، وهي العنوان لكرامة أمة عربية وإسلامية تخلت ـ وبكل أسف ـ عن أسراها لعشرات السنين؛ في الوقت الذي يقترف عدوهم المجازر لمدة سنتين بحجة تحرير أسراه من غزة، وفي ذلك رسالة تكريم للإنسان، ومن لا يُكرّم الإنسان لا يُكرم الأوطان، حتى ولو علق علم فلسطين على صدره، وحتى ولو علق علم العروبة وعلم الأوطان على صواري العواصم والمدن العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. فايز أبو شمالة