في اعترافٍ نادر من داخل الإعلام العبري، أقرت صحيفة هآرتس العبرية، الجمعة، بأن الحرب على غزة تقترب من نهايتها دون أن يحقق “الإحتلال الإسرائيلي” أي انتصار حقيقي، فيما خرجت حركة حماس من المعركة أكثر تماسكا وقوة، بعدما فرضت معادلات جديدة ونجحت في تحقيق أهدافها السياسية والميدانية على حد سواء.
وقال المحلل الصهيوني حاييم ليفينسون في مقاله التحليلي إن حماس تمكنت حتى اليوم الأخير من الحرب من الحفاظ على هيكلها التنظيمي وقيادتها الموحدة دون انشقاقات أو انهيارات، مشيرا إلى أن أفرادها وقيادتها ظلوا على تماسكهم ولم يُقدم أيٌّ منهم على الاستسلام أو التفاوض المنفرد مع العدو أو بيع الأسرى الإسرائيليين مقابل المال، وهو ما يعد دليلا على صلابة البنية العقائدية والتنظيمية للحركة وقدرتها على البقاء في وجه الإبادة والتجويع والحصار.
وأكد الكاتب أن حماس ستظل الفاعل المركزي في مستقبل غزة، وأن محاولات الاحتلال لخلق بدائل محلية موالية له مصيرها الفشل والزوال بمجرد توقف الجيش الإسرائيلي عن حمايتها. ولفت إلى أن تل أبيب فشلت في تحقيق هدفها المعلن بإسقاط حكم حماس، بل منحتها عبر الحرب شرعية مضاعفة وتعاطفا عالميا غير مسبوق.
وأشار ليفينسون إلى أن الحركة حققت إنجازين رئيسيين خلال الحرب؛ أولهما إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام الدولي بعد أن حاول بنيامين نتنياهو دفنها عبر موجات التطبيع وتهميش الفلسطينيين سياسيا، والثاني تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية في صفقة أظهرت أن حماس — وليس السلطة الفلسطينية — هي الجهة القادرة على تحقيق ما عجزت عنه كل الأنظمة المتواطئة منذ عقود.
وأشاد المحلل بفهم يحيى السنوار العميق للمشهد الدولي، قائلاً إن قائد حماس في غزة استطاع منذ البداية قراءة المزاج الغربي والتعامل بذكاء مع الرأي العام العالمي، ليحوّل الحرب من معركة عسكرية إلى مواجهة أخلاقية وإنسانية عرّت صورة الإحتلال أمام العالم. وأضاف أن السنوار نجح في استمالة شعوب بأكملها إلى صف القضية الفلسطينية، وجعل من غزة أيقونة للحرية والمقاومة بعد أن كان الاحتلال الإسرائيلي يروّج لها كـ“وكر للإرهاب”، مشددا على أن ما فعله السنوار أعاد فكرة الدولة الفلسطينية إلى طاولة النقاش الدولي رغم أنف واشنطن وتل أبيب.
ورأى الكاتب أن الاحتلال الإسرائيلي، رغم تفوقه العسكري، فشلت في ترجمة إنجازاته الميدانية إلى مكاسب سياسية بسبب انقسام نظامه الداخلي وتآكل قدرته على اتخاذ قرارات استراتيجية، مشبهاً الكيان بأنه “قرية صغيرة تمتلك سلاح جو” بلا رؤية أو مشروع سياسي. واعتبر أن الغطرسة العسكرية الإسرائيلية قادت إلى أخطاء كارثية وإلى انكشاف ضعفها أمام خصم غير تقليدي يملك الإرادة أكثر مما يملك السلاح.
كما أشار التحليل إلى أن المستفيد الأبرز من الحرب كانت دولة قطر التي رسخت مكانتها كوسيط لا يمكن تجاوزه في الصراعات الإقليمية، رغم الاتهامات الإسرائيلية المتكررة لها بدعم “الإرهاب”، مؤكدا أن هذه الاتهامات لم تعد تجد آذانا صاغية في الغرب. وبيّن الكاتب أن الدوحة أصبحت لاعباً دولياً فاعلاً يمتلك صلات مباشرة بالولايات المتحدة، ويؤدي دورا محوريا في كل النقاشات المتعلقة بغزة والمنطقة.
وفي ختام مقاله، خلص ليفينسون إلى أن حماس خرجت من الحرب “بشرعية جديدة ومكانة متقدمة”، وأن يحيى السنوار بات أحد أبرز الفاعلين في رسم مستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بينما تواجه إسرائيل عزلة دبلوماسية غير مسبوقة وانهيارًا في صورتها كـ“ضحية”، مؤكداً أن الحرب التي أرادت تل أبيب أن تكون نهاية حماس تحولت إلى شهادة ميلادٍ جديدة للمقاومة في فلسطين.