المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    القوات المسلحة اليمنية: “نرصد ونرقب” — رسالة مشروطة للاحتلال مع سريان وقف الحرب في غزة

    أصدر الإعلام الحربي التابع للقوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم...

    كيف أصبح الإسرائيلي يخفي هويته بينما يفتخر الفلسطيني بانتمائه؟

    في أوسلو، لم تكن مباراة كرة القدم ليلة أمس...

    كيف أصبح الإسرائيلي يخفي هويته بينما يفتخر الفلسطيني بانتمائه؟

    في أوسلو، لم تكن مباراة كرة القدم ليلة أمس بين النرويج و”إسرائيل” مجرد مواجهة رياضية عادية.

    ما حدث على المدرجات كان أشبه بمرآة لعالم جديد يتشكل: صافرات استهجان عالية عند عزف النشيد الإسرائيلي، لافتات ضخمة كُتب عليها “Free Palestine”، وأصوات ترفض علناً وجود فريق يمثل دولة متهمة بارتكاب الإبادة في غزة.

    لحظة رياضية تحولت إلى رسالة سياسية، أبرزت أن الهوية الإسرائيلية صارت تُستقبل في كثير من الأماكن بوصفها رمزاً للقتل والدمار، لا مجرد جنسية عابرة.

    هذا المشهد لم يكن استثناءً، بل هو جزء من سلسلة حوادث متكررة…
    في مدن مختلفة، يُطرد الإسرائيليون من مطاعم بعدما تُعرف هويتهم، آخرون يُطلب منهم النزول من الحافلات حين يُكتشف من هم، وأحياناً يُرفض تقديم خدمات أساسية لهم لمجرد أن بطاقاتهم الشخصية تشير إلى “إسرائيل”. وقائع كانت تبدو غريبة أو غير معقولة قبل سنوات، لكنها اليوم أصبحت تتكرر على نحو لافت.

    السبب لا يكمن في المطاعم ولا في الحافلات ولا في الملاعب، بل في السياسات التي صاغت صورة إسرائيل أمام العالم…
    منذ أشهر طويلة، والعالم يتابع بصدمة صور المجازر في غزة: بيوت تُهدم فوق ساكنيها، مستشفيات تُقصف، أطفال يُنتشلون من تحت الركام…
    هذه الجرائم لم تُدفن في الميدان، بل عبرت الحدود إلى وعي العالم، وارتدت على صورة كل ما يحمل اسم “إسرائيل”. النتيجة: أصبح الإسرائيلي العادي يُعامل في الخارج لا كفرد مستقل، بل كظلّ لدولة متهمة بجرائم حرب.

    المفارقة قوية…
    الدولة التي قامت على فكرة الأمن، جعلت مواطنيها يعيشون بلا أمان خارج حدودها…
    الهوية التي كان يُفترض أن تكون مصدر فخر، صارت عبئاً يثقل أصحابها، فيسعون إلى إخفائها أو التخفيف منها أينما ذهبوا.

    لكن في المقابل، يظهر المشهد المعاكس تماماً: الفلسطيني، الذي حاولت “إسرائيل” محو هويته لعقود، يرفع رأسه اليوم بفخر…
    في كل ساحة وملعب وجامعة، يصرخ بأنه فلسطيني…
    علم فلسطين الذي أُريد له أن يُمحى صار رمزاً عالمياً للتحرر، يرفرف في العواصم الكبرى كما في القرى البعيدة، ويعرفه كل سكان الأرض كرمز للصمود والعدالة.

    المفارقة الرمزية هنا عميقة: في اللحظة التي يختبئ فيها الإسرائيلي من هويته، يرفع الفلسطيني صوته عالياً بأنه فلسطيني…
    في اللحظة التي يحاول فيها الأول محو هوية الآخر، تصبح هوية هذا الآخر أيقونة عالمية.

    العالم اليوم يشهد انقلاباً في المعادلات الرمزية: هويةٌ تُوارى خجلاً، وأخرى تتوهج فخراً…
    وما بينهما، يكتب التاريخ صفحة جديدة، عنوانها أن الظلم لا يُكسب صاحبه احتراماً، وأن الهوية لا تُمحى بالقوة، بل تُرسَّخ بالعدالة والحق.

    بين هوية تُخفى خجلاً، وأخرى تُرفع فخراً، يرسم التاريخ معادلة جديدة: لا يمكن للقوة أن تصنع الاحترام، ولا يمكن للإبادة أن تطمس هوية ولدت من الصمود والعدالة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    د. إبراهيم حمّامي

    spot_imgspot_img