تتسارع تحركات الإحتلال الإسرائيلي على نحوٍ يوحي بترتيبٍ ممنهج لجولة تصعيد جديدة، تمتد هذه المرة إلى ما لا يقل عن سبع دول عربية وإسلامية، في مشهد يعيد المنطقة إلى أجواء ما قبل الهدنة ويُنذر بحرب إقليمية أوسع. فبينما كانت واشنطن تسوّق لاتفاق غزة بوصفه “هالة سلام جديدة”، بدا الاحتلال الإسرائيلي منهمكاً في توسيع رقعة النار لا إخمادها.
في فلسطين، عادت غارات الإحتلال الإسرائيلي بكثافة إلى كافة مناطق قطاع غزة بذريعة خرق المقاومة للاتفاق، فيما تشهد الضفة الغربية مواجهاتٍ عنيفة مع تصاعد عمليات المقاومة واستهداف عربات الاحتلال بالعبوات الناسفة، في مقابل هجمات مستوطنين وجنود على المزارعين الفلسطينيين. هذه التطورات الميدانية توحي بأن تل أبيب تسعى إلى إسقاط المساعي الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية عبر فرض وقائع ميدانية جديدة.
تحركات كيان العدو الإسرائيلي تجاوزت الأراضي الفلسطينية لتطال ساحات أخرى. في سوريا، اشتعلت مجدداً التوترات مع تركيا بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي حذّر من “خطر التوسع الإسرائيلي” واعتبره تهديداً مباشراً لأمن بلاده. وردّ نتنياهو بالتشديد على التمسك بالسيطرة على جبل الشيخ وإبقاء الجنوب السوري تحت وصاية منزوعة السلاح، ما اعتُبر مؤشراً على نوايا توسعية جديدة.
في لبنان، رفعت قوات الاحتلال حالة التأهب إلى أقصى درجاتها واستدعت آلاف الجنود لتنفيذ مناورة عسكرية ضخمة تحاكي توغلاً برياً محتملاً، بالتزامن مع تكثيف الغارات جنوب البلاد، بينما يربط محللون التوقيت بمحاولة استغلال الوضع الداخلي اللبناني.
أما في الخليج وبحر العرب، فقد ظهرت مؤشرات تصعيد جديدة عقب استهداف ناقلة نفط في خليج عدن، في تطور قد يعيد العمليات البحرية اليمنية إلى واجهة الصراع الإقليمي، وسط تلميحات صهيونية بمسؤوليتها غير المباشرة عن الحادثة في إطار “الردع البحري”.
وبالتوازي مع تلك التطورات، وجّهت صنعاء تحذيراً شديد اللهجة من انهيار اتفاق غزة، مؤكدة أن “الاحتلال الإسرائيلي يتنصل من التزاماته”. وقال نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء عبدالواحد أبو راس إن “اليمن يتابع عن كثب التطورات في القطاع”، محذراً من أن “أي نكث أو تصعيد جديد من قبل الاحتلال سيقابَل بردٍّ قاسٍ، وثمنٍ كبيرٍ، وخسارةٍ أكبر مما مضى”.
وشدد المسؤول اليمني على أن موقف صنعاء ثابت في دعم المقاومة الفلسطينية “مهما بلغت التحديات ومستوى تطور الأحداث”، مؤكداً أن “محور المقاومة أمام مرحلة حاسمة في مواجهة الغطرسة الصهيونية ومحاولات جرّ المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة”.
بهذا، يبدو أن المنطقة تقف على أبواب جولة جديدة من الصراع المتعدد الجبهات، تقودها إسرائيل تحت غطاء أمريكي، في وقتٍ تتنامى فيه مؤشرات التحذير من انهيار شامل لمسار التهدئة وعودة الحرب إلى المربع الأول.