في أكبر خرقٍ لاتفاق وقف إطلاق النار منذ توقيعه في التاسع من الشهر الجاري، شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، غاراتٍ جوية مكثفة على مختلف مناطق قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد العشرات وإصابة المئات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في مشهدٍ أعاد إلى الأذهان الأيام الأولى لحرب الإبادة التي شنها الكيان على القطاع.
وأكدت مصادر طبية فلسطينية أن أكثر من 35 شهيدًا سقطوا منذ ساعات الصباح، جراء القصف العنيف الذي طال مخيمي النصيرات والبريج وبلدة الزوايدة في وسط القطاع، إضافة إلى محيط مستشفى كمال عدوان شمالاً ومناطق في مواصي خان يونس جنوباً، في حين تسببت الغارات بتدمير خيام نازحين ومدرسة تؤوي مئات الأسر.
وجاء هذا التصعيد الدموي بعد أن اتهم الاحتلال حركة حماس بتنفيذ هجوم في رفح، وهي مزاعم نفتها المقاومة بشكلٍ قاطع، مؤكدة أن ما يجري هو محاولة إسرائيلية مدبّرة لتخريب الاتفاق وخلق مبررات لاستئناف العدوان، بعد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه خلال الأشهر الماضية.
وفي خطوةٍ اعتُبرت انتهاكاً صارخاً لبنود الاتفاق الإنساني، أقدمت سلطات الاحتلال على إغلاق جميع معابر قطاع غزة بشكلٍ مفاجئ، مانعةً دخول المساعدات الغذائية والطبية والوقود، ما ضاعف معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المنكوب. غير أن الاحتلال تراجع عن القرار تحت ضغطٍ أمريكي مباشر، وفق ما أفادت به وسائل إعلام عبرية وموقع “أكسيوس” الأمريكي، الذي نقل عن مسؤولين إسرائيليين أن واشنطن طالبت بفتح المعابر فوراً واستئناف إدخال المساعدات صباح الاثنين.
وفي السياق ذاته، أعلن مكتب نتنياهو أن رئيس الحكومة أصدر أوامر بشنّ هجمات “قوية وحازمة” ضد أهداف في غزة، فيما هدّد وزير الحرب يسرائيل كاتس بأن “حماس ستدفع ثمناً باهظاً”، وهو ما اعتبرته فصائل المقاومة دليلاً قاطعاً على نية الاحتلال إفشال الهدنة وجرّ المنطقة إلى حرب جديدة.
في المقابل، أكدت كتائب القسام وحركة حماس التزامهما الكامل بكل ما ورد في الاتفاق، وفي مقدمته وقف إطلاق النار الشامل، مشيرتين إلى أن “الاتصال مقطوع بالمقاتلين في رفح منذ عودة الحرب في مارس الماضي، ولا علاقة لنا بأي أحداث في تلك المنطقة”، وحمّلتا الاحتلال “المسؤولية الكاملة عن انهيار الاتفاق ونتائج هذا العدوان الجديد”.
كما دعت المقاومة الفلسطينية الوسطاء والمجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف جرائم الاحتلال وضمان تنفيذ الاتفاق بما يحقق الأمن والاستقرار لشعب فلسطين، محذّرةً من أن “استمرار الخروقات قد يعيد الأمور إلى مربع الحرب المفتوحة”.
وفي ظل هذا التصعيد، رفعت فصائل المقاومة مستوى الجهوزية الميدانية والأمنية تحسباً لأي عدوانٍ واسع، وسط تحذيرات من “هجوم مباغت” قد يلجأ إليه الاحتلال لتحقيق مكاسب سياسية داخلية بعد إخفاقاته العسكرية المتكررة.
وبهذا التصعيد الشامل وإغلاق المعابر واستهداف المدنيين، يكون الاحتلال قد أطاح عملياً باتفاق غزة الهشّ وأعاد المنطقة إلى أجواء الحرب الشاملة، في تحدٍّ صارخٍ لكل الأعراف الدولية والإنسانية، ومواصلةٍ لنهجٍ عدوانيٍّ يسعى من خلاله إلى كسر إرادة المقاومة الفلسطينية التي لم تنكسر رغم كل المجازر والحصار.