قدّم قائد أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في كلمة اتسمت بالحسم السياسي والصلابة العسكرية، قراءةً وافية لشخصية الشهيد الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري ودوره في بناء معادلة الردع اليمنية وإسناد غزة، مقروناً بتثبيت قواعد الاستمرارية المؤسسية بعد استشهاده.
في البعد الرمزي ـ الوطني، اعتبر السيد الحوثي أن التشييع الشعبي العارم للغماري “تعبيرٌ جليّ عن ثبات موقف الشعب وتلاحمه مع جيشه”، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية “من الشعب وإليه، تعبّر عن تطلعاته وتتحرك معه في الموقف الواحد”. ومن هذه الشرعية الشعبية بنى حجته على أن دماء الشهداء، وفي طليعتهم الغماري، “صفحةٌ بيضاءُ مشرقة ومدرسةٌ للأجيال في الثبات والعطاء”.
وفي توصيفه لشخصية الغماري القيادية، أبرز القائد أربع سمات مفصلية: الإخلاص، والمبادرة، والصبر، والابتكار. قال إن الشهيد “انطلق بوعيٍ قرآنيٍ وثقةٍ عالية بالله، لا تُثنيه كِبرُ إمكانات العدو عن أداء واجبه”، وإنه جسّد “المسارعة في إنجاز المهام الجهادية” و“الصبر الجميل” في أحلك الظروف، مقروناً بعقلية “تحوِّل التحديات إلى فرص عبر الابتكار والتكيّف”. بهذه المقاربة، ربط القائد بين الروحية الإيمانية وأداء الواجب العسكري الحديث، مُظهراً الغماري كمهندسٍ لانتقال نوعي في القدرات.
سياسياً واستراتيجياً، وضع السيد الحوثي استشهاد الغماري ضمن معركة امتدت لعامين، مؤكداً أن اليمن بلغ “أقوى مرحلةٍ من كل المراحل الماضية” على مستوى البناء العسكري والتعبئة، وأن تجربة الإسناد لغزة أرست قواعد ردعٍ ثبتت فعاليتها في البحر والبر والجو. وعلى قاعدة الردع تلك، شدّد: “سنبقى في حالة جهوزيةٍ تامة للعودة إلى العمليات وإلى مستويات التصعيد العليا إذا عاد العدو الإسرائيلي إلى عدوانه”، رافضاً “أي مساومات على مواقف مبدئية إيمانيةٍ جهاديةٍ قرآنية”.
وربط بين إرث الغماري وبنية الصناعة الحربية المحلية، مُذكّراً بأن “بلدنا هو الأول عربياً في الإنتاج الحربي، من المسدس والكلاشينكوف إلى المدفعية والقناصات والطائرات المسيّرة والصواريخ بأنواعها”، وأن التطوير مستمر بلا انقطاع. الرسالة هنا مزدوجة: الاستشهاد لا يوقِف المسار، والبناء المؤسسي سبق القائد ويستمر من بعده.
كما أعاد القائد تأطير الصراع إقليمياً: “العدو الإسرائيلي فشل مع الأمريكي والبريطاني في تدمير قدرات شعبنا أو إرغامه على التخلي عن موقفه”، و“خسر في مواجهاته مع إيران ولبنان، وانكشف ضعفه رغم الإبادة والتدمير الشامل”. هذا التأطير يخدم تثبيت قناعة بأن معادلة الردع اليمنية جزء من شبكة أوسع لميزان قوى يقيّد حركة العدو ويضاعف كلفة عدوانه.
وختم السيد الحوثي بتثبيت معادلة الاستمرارية: إرث الغماري ليس سيرة شخصية بقدر ما هو منهج مؤسسي “لا ينتهي باستشهاد قائدٍ عظيم”؛ إنه مسار “تتلقفه الأجيال وتُعلي مداميكه التعبئةُ العامةُ والبناءُ العسكريُ والوعيُ القرآني”. وبين الرمز والسياسة والقدرة، بدا الخطاب إعلانَ استدامة لمسار الردع والإسناد، وتعهداً بأن دماء الغماري ستبقى “محركاً للجهوزية” لا “مناسبةً للانكفاء”.