فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الخميس، حزمتي عقوبات جديدتين تعدّان الأوسع نطاقًا منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، في تصعيد اقتصادي غير مسبوق ضد موسكو، وسط تحذيرات روسية من تداعيات “خطيرة” على الأمن والاقتصاد العالميين.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي توصّله إلى اتفاق حول الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات على روسيا، الهادفة إلى تجفيف موارد الكرملين المالية وتقييد صادراته من الطاقة. وأوضحت الرئاسة الدنماركية للاتحاد أن الإجراءات الجديدة تشمل حظرًا كاملًا لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي، إضافة إلى قيود صارمة على طالأسطول الشبح” الروسي الذي يُستخدم للتحايل على العقوبات الغربية ونقل النفط خلسة إلى الأسواق الدولية.
وطالت العقوبات الأوروبية 117 سفينة جديدة تضاف إلى 558 سفينة مدرجة على قوائم التجميد، من أصل ما يُقدّر بنحو 600 إلى 1400 سفينة تشكّل أسطول التهريب الروسي. كما استهدفت العقوبات شركات في دول ثالثة بينها الصين والهند، بتهمة تزويد موسكو بتقنيات عسكرية، خصوصًا تلك المستخدمة في صناعة المسيّرات، إلى جانب تقييد تحركات الدبلوماسيين الروس في أوروبا.
في المقابل، أعلنت واشنطن عن أكبر حزمة عقوبات في تاريخها ضد موسكو، استهدفت فيها عملاقي النفط الروسيين “روسنفت” و”لوك أويل”، ضمن إجراءات وُصفت بأنها “الأكثر تأثيرًا على قطاع الطاقة الروسي منذ الغزو”. وشملت العقوبات أيضًا شركات تابعة ومؤسسات مالية، مع تهديد أمريكي بمزيد من الإجراءات إذا لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
أعقبت هذه الخطوات ردة فعل سريعة في أسواق الطاقة، حيث ارتفعت أسعار النفط العالمية بنحو خمسة بالمئة؛ إذ صعد خام برنت إلى 65.57 دولارًا، فيما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط إلى 61.51 دولارًا للبرميل. وأرجع خبراء اقتصاديون هذه القفزة إلى بدء تطبيق العقوبات الأمريكية على القطاع النفطي الروسي، مؤكدين أن المصافي في الصين والهند ستُجبر على البحث عن مصادر بديلة للخام الروسي لتجنّب القيود المصرفية الغربية.
وفي الوقت نفسه، توقّع محللون أن تقلّص شركات التكرير الهندية وارداتها من النفط الروسي بشكل حاد، حيث أشارت مصادر في قطاع الطاقة إلى أن شركة ريلاينس إندستريز، أكبر مشترٍ للخام الروسي في الهند، تدرس وقف وارداتها بالكامل. غير أن بعض الخبراء شككوا في فاعلية هذه العقوبات، مؤكدين أن معظم العقوبات السابقة فشلت في تقليص الإنتاج أو الإيرادات الروسية، فيما تحدّ زيادة إنتاج “أوبك+” ومخاوف فائض المعروض من تأثيرات الأسعار على المدى الطويل.
من جانبه، ردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤكدًا أن بلاده لن ترضخ للضغوط الأمريكية أو لأي قوة أخرى، محذرا من أن الرد على أي ضربات تستهدف العمق الروسي سيكون له عواقب وخيمة وخطيرة.
ووصف العقوبات بأنها “تصرف عدائي سيقابَل بعواقب وخيمة”، لكنه شدّد على أن الاقتصاد الروسي “متماسك وقادر على التكيّف”. وقال بوتين إن هذه الإجراءات تمثّل محاولة يائسة للضغط على روسيا، محذرًا من أن اضطراب أسواق الطاقة العالمية سيرتدّ سلبًا على الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة.
بدورها، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن العقوبات الأمريكية “غير قانونية” وتشكل تهديدًا لاستقرار الاقتصاد العالمي، معتبرة أنها خطوة مضادة لمساعي الحل السياسي في أوكرانيا، وأشارت إلى أن روسيا ستواصل تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية رغم القيود الغربية. كما وصفت الحزمة الأوروبية الجديدة بأنها إيذاء ذاتي للاتحاد الأوروبي، لأنها ستنعكس على أسعار الطاقة والمعيشة في القارة العجوز.
وبينما تتواصل الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/شباط 2022 دون أفقٍ واضح لإنهائها، تتمسك موسكو بموقفها الرافض لانضمام كييف إلى أي تحالفات عسكرية غربية، في حين تصرّ العواصم الغربية على أن العقوبات هي السبيل الوحيد لردع روسيا وإجبارها على التراجع. وبين تشديد الخناق المالي وارتفاع أسعار الطاقة، تبدو الساحة الدولية اليوم على مشارف مرحلة اقتصادية وسياسية جديدة، يتواجه فيها الاقتصاد والسلاح في سباقٍ مفتوح على كلفة الحرب وموازين القوة.
