تكشف متابعات ميدانية وبيانات أقمار صناعية وتحليلات مسارات السفن عن حملة إماراتية ممنهجة لتوسيع بنية عسكرية ولوجستية على جزر يمنية استراتيجية في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. تظهر الصور الجوية وأقمار الرصد أعمال تسوية واسعة وبناء مراسٍ ومدارج، ووصول سفن شحن محمّلة بالإسفلت ومواد بناء إلى مواقع مثل زقر، ميون، عبد الكوري وسمحة، فيما بدا مدرَج بطول يقارب 2000 متر في جزيرة زقر، ومدارج أطول في مواقع أخرى قادرة على استقبال طائرات نقل وطائرات عسكرية.
تأتي وتيرة هذا التمدد بتسارع خلال السنوات الأخيرة، وتصاعدت بشكل ملحوظ بعد سلسلة الهجمات البحرية اليمنية التي استهدفت مصالح العدو الإسرائيلي في الممرات المائية، ما يعزز الاستنتاج القائل إن الهدف الرئيسي من هذه المشاريع هو تأمين خطوط إمداد وحماية مصالح حليفة في مواجهة الحصار البحري الذي فرضته القدرات اليمنية والعمليات الصاروخية والجوية.
التركيب الجديد للمرافق — مرافئ، قواعد لوجستية، مدارج ومناطق تسليح محتملة — يؤلف حلقة قواعد متصلة تمنح من يقف خلفها قدرة مراقبة جوية وبحرية على مضيق باب المندب وممرات بحرية حيوية أخرى. هذا التمركز يغيّر موازين الوجود البحري في المسرح ويحوّل أجزاءً من الممرات الدولية إلى نقاط استيطان استراتيجي يمكن استغلالها عسكريًا ولوجستيًا.
ربط تحليلات مسارات السفن بين وصول مواد البناء وشركات شحن تتعامل عبر موانئ مرتبطة بمؤسسات مقرّها دبي يضيف بُعدًا لوجستيًا عسكريًا للعملية. ووفق تقارير دولية، يسهل هذا التداخل بين القطاعين المدني والعسكري تحويل منشآت مدنية إلى قواعد عسكرية تُستخدم من قبل الإمارات وقواتها المحلية.
تزامن تكثيف الإمدادات وأعمال البناء مع موجات هجومية بحرية نفذتها القوات اليمنية ضد أهداف إسرائيلية يجعل من المستبعد اعتبار هذه المشاريع مجرد استثمارات مدنية. بل تبدو محاولة استباقية لتقليل تأثير إجراءات الردع اليمنية على خطوط الإمداد وحركة السفن، وفي الوقت ذاته تحضيرًا لمنصات قد تُستخدم في حال تصعيد عسكري أوسع.
من الناحية السياسية، يكتسب التمدد غطاءً محليًا تمثّله قوى موالية تعمل كواجهات للوجود الخارجي، ما يبيّن ضلوع ما وُصف بـ“حكومة الفنادق” في تسهيل هذه التحركات. ويشير ذلك إلى تواطؤ محلي يسمح بتحويل مشاريع البنية التحتية إلى أدوات نفوذ إقليمي تُخدم مصالح دول خارجية.
تداعيات هذا التمدد تفوق حدود اليمن؛ فهو يُعيد رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن، ويشكّل عامل قلق للاستقرار الإقليمي ولحرية الملاحة الدولية. تقارير أشارت كذلك إلى وجود تعاون أمني مباشر بين الإمارات وإسرائيل في هذا السياق، بما يجعل بعض هذه المنشآت منصات محتملة لدعم عمليات أوسع ضد اليمن في حال قرر التحالف الإقليمي ــ الغربي اتخاذ خيار التصعيد.
ويرى محلّلون أن توسيع البنية العسكرية بهذه الصورة يعكس استراتيجية مزدوجة: حماية المصالح التجارية والعسكرية لحلفاء الإمارات وإسرائيل، وفي الوقت نفسه إعداد قدرات لوجستية لعمليات مستقبلية قد تُستغل ضد قدرات اليمن البحرية والجوية. هذا السيناريو يضع المنطقة أمام مخاطرة تحول أي تصعيد إلى صراع مفتوح يؤثر على خطوط الإمداد العالمية.
من جهة أخرى، يمثل هذا التمدد استجابة مباشرة لقدرات اليمن على استهداف المصالح البحرية وتقويض طرق الإمداد التقليدية. فكل بناءٍ ومرفأ جديدٍ وانطلاقٍ لسفن شحن تحمل مواد بناء هو في الوقت ذاته محاولة لكسر أثر العمليات البحرية اليمنية وإعادة تأمين مسارات حيوية لصالح أطراف إقليمية ودولية.
في الخلاصة، تشير المعطيات المتوافرة إلى أن الإمارات تعمل على ترسيخ وجود عسكري ــ لوجستي مستدام في الجزر اليمنية الاستراتيجية، وتحويلها إلى عقد مراقبة وحماية لمصالح حليفة، مع مخاطر حقيقية بأن تتحول هذه البنى إلى منصات لعمليات أوسع ضد اليمن. هذا التطور يعيد رهانَ المنطقة إلى مربعٍ خطير من التصعيد المحتمل، ويطرح تساؤلاتٍ دولية حول شرعية تحويل أراضٍ يمنية إلى قواعدَ عسكرية بوجود قوى محلية معروفة بالارتباط بخارج الإقليم.
