البطولاتُ الوهميةُ على السوشال ميديا والتصريحاتُ الجوفاءُ للقادةِ العملاء لا تُغيِّرُ الواقعَ ولا تُحجِبُ الحقيقة.
في عصرِ التكنولوجيا العلميّةِ والثورةِ المعلوماتيّةِ الرقميّة، حَيثُ تتدفّقُ المعلوماتُ كالنهرِ الجارف، وجعلتْ من العالمِ قريةً صغيرةً، خَاصَّة مع وجودِ الشبكةِ العنكبوتيّةِ وانتشار وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، بالإضافة إلى الكمِّ الهائلِ من القنواتِ الإعلاميّة، برزت ظاهرةٌ خطيرةٌ تهدفُ إلى تشويهِ الوعيِّ وطمسِ معالمِ الحقائق.
إنّها ظاهرةُ “البطولاتِ الوهميّة” التي تُصنَعُ في المختبراتِ والماكيناتِ الإعلاميّةِ لأغراضِ التسويقِ السياسيّ، وضمنَ الحربِ الإعلاميّةِ والنفسيّة، عبر منشوراتٍ وتغريداتٍ ولقاءاتٍ ومجموعاتٍ على منصّاتِ السوشال ميديا، يرافقها تصريحاتٌ جوفاء يُطلقها قادةٌ عملاء، معلنينَ انتصاراتٍ لم تحدث، وإنجازاتٍ لا وجودَ لها.
لكنّ هذه المسرحيةَ الهزيلةَ – مهما طالتْ مدّتُها – لن تستطيعَ أبدًا حجبَ الحقيقةِ المتجلّيةِ في واقعِ الناسِ المعاش.
مسرحُ الأوهام.. كيف تُخلَقُ البطولاتُ الرقميّة؟
لم تعدِ المعاركُ تُخاضُ في الميادينِ فقط، بل انتقلتْ إلى العالمِ الافتراضيّ، حَيثُ تُصنَعُ “الانتصاراتُ الوهميّةُ” وتُنشَرُ الأكاذيبُ والفبركاتُ الإعلاميّةُ بضغطةِ زرٍّ واحدة.
تقومُ آلاتُ الدعايةِ التابعةُ لأنظمة العمالةِ والارتهان والخيانةِ – أَو القياداتِ العميلةِ التي باعتْ شرفَها وأرضَها وكرامتَها للخارج – أمثالَ مرتزِقةِ اليمن، باختلاقِ سرديّاتٍ بطوليّةٍ من وحيِ الخيال، وتحويلِ الهزائمِ إلى انتصاراتٍ، والهوانِ والخذلانِ وفقدانِ القرارِ إلى بطولاتٍ ووطنيةٍ مزعومةٍ تُقدَّمُ على أنّها “مكاسبُ استراتيجيّة”!
هي محاولاتٌ لتزييفِ الحقائقِ وخداعِ البسطاءِ من الشعبِ، والتدليسِ على عقولِ التابعينَ بالوعودِ الكاذبةِ والإنجازاتِ الوهميّةِ، والترويجِ لمشاريعَ صوريّةٍ أَو غيرِ مكتملةٍ على أنّها إنجازاتٌ عملاقةٌ تُغيّرُ وجهَ البلاد.
صناعةُ الأبطال الافتراضيين:
يُقدَّمُ القادةُ العملاءُ على أنّهم رجالُ دولةٍ عظام، من خلالِ الخُطبِ الرنّانةِ المصمّمةِ بعنايةٍ والصورِ المفبركة، بينما واقعُ الحالِ يشهدُ على عكسِ ذلك.
هذه الحملاتُ وهذه الألاعيبُ تستهدفُ بالدرجةِ الأولى شريحةً واسعةً من المواطنينَ البسطاء، عبر تضخيمِ الأكاذيبِ، وإلصاقِ التهمِ، وفبركةِ المقاطعِ، لخداعِ العقولِ ومحاولةِ إخفاء الحالةِ النفسيّةِ المأزومةِ التي يعيشُها أُولئك العملاء.
وكلُّها محاولاتٌ يائسةٌ وحركاتٌ فاشلة.
التصريحاتُ الجوفاء: صدىً لا معنى له:
حينَ تستمعُ إلى خطاباتِ مَن يزعمونَ أنّهم قادةٌ ومسؤولون – أمثالِ أحذيةِ التحالفِ العربيِّ الصهيونيِّ الأمريكيّ – تُصابُ بحالةٍ من الذهولِ والسخرية؛ إذ أصبحتْ خطاباتُهم طقوسًا فارغةً من أي مضمون.
إنّها تصريحاتٌ جوفاءُ تفتقرُ إلى أبسطِ مقوّماتِ المصداقيّة، تُستخدمُ فيها لغةٌ مطّاطيّةٌ غامضةٌ، ومصطلحاتٌ فضفاضةٌ مثل: “سنواجهُ التحديات” – “سوفَ نستعيدُ الدولة” – “قادمونَ يا صنعاء”… وهكذا أنهارٌ من الكذبِ والشطحاتِ والوعودِ السرابيّةِ عن مستقبلٍ مشرقٍ و*”تحسينِ الأوضاع”*، دون خططٍ واضحةٍ أَو مؤشّراتِ قياسٍ حقيقيّة.
الغرضُ منها، كما قلنا، المغالطةُ والتستّرُ خلفَ الأصابع، والتهرّبُ من المسؤوليةِ، وإلقاءُ اللومِ دائمًا على الأطراف الأُخرى في الداخلِ أَو الخارج أَو على الظروفِ الآنية.
وهكذا يكذبون أكثر ممّا يتنفّسون، ويُطلقون وعودًا برّاقةً يعلمونَ جيِّدًا أنّهم غيرُ قادرينَ على تنفيذِها، فقط لكسبِ الوقتِ وإسكاتِ الأصوات الغاضبة.
هذه التصريحاتُ ليست موجّهةً إلى العقلِ والمنطق، بل إلى المشاعرِ والعواطف، في محاولةٍ لخلقِ حالةٍ من الوهمِ الجماعيّ.
لكن ستبقى الحقيقةُ الصُّلبةُ هي الجدارَ الذي تتحطّمُ عليه كُـلّ الأوهام، مهما ارتفعَ سقفُ الأكاذيب، ومهما عظمتْ مساحةُ الضجيجِ الرقميّ، تبقى الحقيقةُ أقوى من كُـلّ ذلك.
الواقعُ هو الحكمُ، والمواطنُ الذي يعاني من الفقرِ، ويبحثُ عن دواءٍ لمريضٍ، ويُكابدُ انعدام الخدماتِ، هو الشاهدُ الأقوى على زيفِ هذه الادِّعاءات، وهو الفيصلُ في النهاية.
يُقاسُ نجاحُ أي قيادةٍ أَو نظامٍ بالنتائجِ على الأرض: مستوى المعيشة، جودة التعليم والصحّة، كرامة المواطن، واستقلال القرار.
وفي غيابِ هذه المؤشرات، تتهاوى كُـلّ خطاباتِ البطولاتِ الوهميّة.
الوعيُ المتصاعد: انتصار الحقيقةِ حتميّ:
أصبح الناسُ اليومَ أكثر وعيًا ودرايةً بفنونِ التضليل، ولم يَعُدْ من السهلِ خداعُهم بالكلامِ المعسولِ والإحصاءاتِ المزوّرة، لأنّهم يُقارنونَ بينَ الكلامِ والواقعِ يوميًّا.
كما قال الله تعالى ووعدَ عبادَه المؤمنين:﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾
المعركةُ بينَ الحقيقةِ والوهمِ، يكونُ النصرُ فيها دائمًا للحقيقة.
البطولاتُ الوهميّةُ على السوشال ميديا، والتصريحاتُ الجوفاءُ، ليست سوى محاولةٍ يائسةٍ لسدِّ الفجوةِ الهائلةِ بين الحاكمِ والمحكومين، ولتجميدِ الواقعِ بدلًا من تغييرِه.
لكنّها محاولاتٌ محكومٌ عليها بالفشل، لأنّ الحقيقةَ كالشمس، لا يمكنُ حجبُها بغربال.
قد تتمكّن من تأخير ظهورِها لبعضِ الوقت، لكنّها ستشرقُ في النهاية، قويّةً واضحةً، لتكشفَ زيفَ الأوهامِ وخرافةَ البطولاتِ المزيّفة، لأنّ صوتَ الشارعِ وهمومَ الناسِ وصورةَ الواقعِ هي الأدلةُ التي لا يمكنُ دحضُها.
