المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    بتهمة “الانتماء للحوثيين”.. قوات الانتقالي تعتقل الناشط اليمني محمد الحسني في مطار عدن

    اعتقلت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي الناشط اليمني محمد الحسني...

    وهم الافتراق الأمريكي الإسرائيلي: بين خطاب التمايز وواقع الشراكة.. خلافٌ معلن وتحالفٌ باطن لا يتزعزع

    تسود مؤخراً في أوساط كثيرة نظريات تجميلية للموقف الأميركي تستند إلى مواقف إعلامية صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، توحي من جهة بنظرة أميركية مغايرة للنظرة الإسرائيلية لملفات حساسة في المنطقة، وتتضمّن نبرة أميركية عالية في دعوة قيادة الكيان، خصوصاً رئيس حكومته بنيامين نتنياهو والوزراء الأشد تطرفاً في حكومته إلى الانصياع، مثل الحديث عن أن الحرب انتهت ولن تعود، ومؤخراً الحديث حول ضم الضفة الغربية للكيان.

    ويذهب أصحاب هذه النظريات إلى الترويج لمشروع أميركي يعتمد على الحلفاء الإقليميين مثل السعودية ومصر وتركيا على حساب كيان الاحتلال، وصولاً إلى فرضية تبنّي أميركا مشروع قيام دولة فلسطينية والسير خطوات عملية نحو قيامها، فهل هذه الفرضيات واقعية؟

    الشراكة الثابتة بين واشنطن وتل أبيب

    مشكلة أصحاب هذه النظريات أنهم لا ينتبهون إلى أن ما يجري بعد وقف حرب الإبادة في غزة، لا يمكن أن ينسف ما كان قبلها وعبّر عنه ترامب في خطابه أمام الكنيست، عن الشراكة الكاملة في حرب الإبادة بين واشنطن وتل أبيب.

    فقرار وقف الحرب لم يكن تحوّلاً سياسياً نحو الاعتراف بالحق الفلسطيني، خصوصاً حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.

    تكفي العودة إلى خطة ترامب لوقف الحرب لرؤية ما هو أعمق من الابتعاد عن ذكر الدولة الفلسطينية كتتويج طبيعي لوقف الحرب، إذ يتضح أن المطلوب هو جعل غزة مجرد جغرافيا وديموغرافيا بلا هوية، أرض وسكان تحت الوصاية الدولية بمجلس انتداب يترأسه ترامب وقوة دولية تشرف على نزع سلاح المقاومة.

    ازدواجية واشنطن: مراعاة الحلفاء دون المساس بالكيان

    يتجاهل أصحاب هذه النظريات حقيقة أن أميركا ترامب ومن قبله بايدن وأوباما، تعمل على الحفاظ على ولاء حلفائها في المنطقة مثل السعودية ومصر وتركيا، مع الحرص على عدم إحراجهم علناً.

    لكن هل يصدق أحد أن غارة الاحتلال على قطر تمت دون علم واشنطن، وقاعدة العيديد هناك مقر القيادة المركزية الأميركية؟

    ويكفي التذكير بتباهي ترامب بأن الحلفاء المطبّعين لم يتراجعوا عن اتفاقياتهم رغم الحرب، وأنه جعل توسيع التطبيع هدفاً لقمة شرم الشيخ التي أطلق عبرها اتفاق غزة الذي يرعاه.

    فالولايات المتحدة لم ولن تساوم على مكانة كيان الاحتلال وتفوقه وهيمنته في منطقة لا تثق بأنظمتها، بينما الكيان حليف ثابت ومطيع مهما بدا نزوعه نحو الخصوصية.

    أدوات الضغط الأميركية لخدمة الأجندة الإسرائيلية

    في ساحات الصراع من لبنان إلى سورية، تتولى واشنطن قيادة الضغوط على أنظمة حليفة لها لتسهيل فرض الشروط الإسرائيلية.

    أما في لبنان، فيكفي الاستماع إلى المبعوث الرئاسي الأميركي توماس برّاك الداعي إلى الاستسلام للكيان تحت طائلة الحرب، لتتضح حدود «الخلاف» بين واشنطن وتل أبيب.

    النبرة العالية… تكتيك لا مراجعة

    السؤال عن تفسير الموقف الأميركي والنبرة العالية بوجه قادة الكيان بعد وقف حرب الإبادة في غزة سؤال مشروع، لكن الجواب بعيد جداً عن نظريات التفارق الأميركي الإسرائيلي.

    فالتحالف الاستراتيجي باقٍ، والحرص الأميركي على مكانة الكيان وتفوّقه لا يتزعزع، لأن الحرب التي خاضها الطرفان جنباً إلى جنب فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى: لم يسقط النظام في إيران، ولم تستقر سورية في حضن الحلفاء، وفشل مشروع السيطرة في اليمن، بينما في لبنان وغزة لم تُنهَ المقاومة رغم الخسائر.

    حسابات الداخل الأميركي والإسرائيلي بعد الفشل

    الحرب بما فيها من توحش وجرائم صارت عبئاً انتخابياً على ترامب، الذي يخشى انعكاسها على الكونغرس، بينما يدرك نتنياهو أن كل دعوة للاعتدال تُضعفه أمام جمهوره المتطرف.

    وهكذا يظهر تفاوت القدرة على التأقلم مع وقف الحرب بين البيئتين الأميركية والإسرائيلية: فكل كلمة ضد الحرب تفيد ترامب انتخابياً، لكنها تضرّ بنتنياهو.

    خطابٌ مزدوج لتجميل الهيمنة

    إلى جانب هذا التفاوت، هناك حاجة إلى خطاب سياسي ناعم يضمن نجاح وقف الحرب بشروط مريحة للكيان، ويُجنّد الحكومات العربية والإسلامية في محاصرة المقاومة عبر مساهماتهم المالية والأمنية.

    وهذا يستدعي انتقاداً مدروساً للكيان يتيح لتلك الحكومات الانخراط دون حرج أمام شعوبها، فيبدو أن العتب الأميركي على إسرائيل جزء من المسرحية السياسية التي يريد ترامب ونتنياهو أن يصدّقها العرب، شارعاً ونخبةً وحكومات. فهل نصدّق؟
    ___
    ناصر قنديل

    spot_imgspot_img