في اليمن الأمرُ مختلِفٌ عن لُبنان بحتميةِ الردِّ على أيِّ استهداف يطالُ الأرضَ اليمنية؛ إذ تغيّر المعادلة كليًّا؛ فحتى لو توقّفت عمليات الإسناد لفلسطين، فلن يصمت اليمنيّون عن الردّ على أي استهداف يطال أرضهم، والصواريخ الباليستية والفرط صوتية جاهزةٌ للردّ.. لذلك، تعملُ هذه الأطراف -خونة الداخل وخونة الأمة- على جمع بنك أهداف في الساحة اليمنية لتقديمه للإسرائيليّ على طبقٍ من ذهب وهو السببُ الجوهري الذي يدفعُ نتنياهو إلى تأجيل معاقبة اليمن -كما يسمُّونه في الداخل الإسرائيلي- إلى حين توافُر الأهداف.
في خضمِّ التصريحات الرسمية الأمنية “الإسرائيلية”، تحدّث رئيس الأركان العامة لجيش الاحتلال، أيال زامير، عن توسيع نطاق العمليات على عدة جبهات كانت تُجرَى عليها تحَرُّكاتٌ للجيش الإسرائيلي خلال العامين الماضيين.
وتزامن ذلك مع تصريح وزير الحرب، يسرائيل كاتس، القائل: إنّ “اليمن سيدفعُ ثمنًا باهظًا على محاولته المسَّ بالجبهة الداخلية، ولم نقل بعد كلمتنا الأخيرة”.
وفي السياق نفسه، صرّح وزيرُ الخارجية جدعون ساعر بأنّنا لن ندفِنَ رؤوسَنا في الوَحْل، وأنّ حزبَ الله يُعيدُ بناءَ قدراته ويحقّق نجاحاتٍ في مواقعَ محدّدة.
هذا التبادل في الخطاب والأدوار بعد الاجتماع التشاوري مع نتنياهو حول جبهة لبنان، وما سبق ذلك من مناورات عسكرية شمالًا لاختبار جهوزية الجيش والتصريحات التي تتحدّث عن توسيع الضربات في لبنانَ مع تحليقٍ مكثّـف للطيران الحربي والطائرات المسيَّرة فوق بيروت، كلُّها تسعى لكسر ما يُسمّى تحييد العاصمة عن الضربات.
والحقيقة أنّ الأمرَ ليس تحييدًا بقدر ما هو بحثٌ عن هدفٍ ثمينٍ يستحقُّ الاصطياد؛ والمسيَّرات فوق الضاحية الجنوبية تعملُ في هذا الاتّجاه.
كلّ ذلك يشير إلى أنّ الإسرائيليّ جاهزٌ للتنفيذ على الجبهة اللبنانية فور ظهور أي هدف أمام أعين منظومات الرصد المسيَّر، وأنّه يعمل على ذلك باستمرار في الجنوب والبقاع.
أما في اليمن فالأمرُ مختلِفٌ بحتميةِ الردِّ على أيِّ استهداف يطال الأرض اليمنية؛ إذ تغيّر المعادلة كليًّا؛ فحتى لو توقّفت عمليات الإسناد لفلسطين، فلن يصمت اليمنيّون عن الردّ على أي استهداف يطال أرضهم، والصواريخ الباليستية والفرط صوتية جاهزةٌ للردّ.
ومع هذه الحتمية، يعيش الإسرائيليُّ حالةَ عَمى استخباراتي في الميدان اليمني، وما قدَّمته الجهات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والخليجية من معلومات استُغلّت خلال مرحلة الإسناد.
لذلك، تعملُ هذه الأطراف على جمع بنك أهداف في الساحة اليمنية لتقديمه للإسرائيليّ على طبقٍ من ذهب وهو السببُ الجوهري الذي يدفعُ نتنياهو إلى تأجيل معاقبة اليمن -كما يسمُّونه في الداخل الإسرائيلي- إلى حين توافُر الأهداف.
وأعتقدُ أنّه متى ما توفّرت هذه الأهدافُ فسيهاجم، حتى لو تعرَّض لهجومٍ مضادّ، وهو يعلمُ طبيعةَ الردّ؛ لكنّ خوضَ غِمار الهجوم سيكون بلا شكَّ بضوءٍ أخضرَ أمريكي.
لا أبالغُ إن قلتُ إنّ اليمن قد صار من دول الطوق بوجود آل سعود في الجوار، ولا نبالغُ إذَا قلنا إنّ العراق أَيْـضًا قد صار من دول الطوق لوجود دويلة الجولاني على مقرُبةٍ منه.
والقاعدة الثابتة أنّ أيةَ دولة تربطها بكَيان الاحتلال الصهيوني اتّفاقياتٌ أمنية أَو حتى تطبيعٌ؛ فالدول المحيطة بها تصبح دولَ طوق، وهذا بُعدٌ آخر لمفهوم مشروع (إسرائيل الكبرى).
لذلك، التوسُّعُ في لبنان متاحٌ ويمكن لنتنياهو أن يناورَ فيه بأريحية؛ أمّا جبهةُ اليمن فلها عواقبُها الخَاصَّة.
وبخصوص باقي الجبهات، كالعراق وإيران؛ فخوضُ مغامرةٍ هناك يحتاجُ قرارًا أمريكيًّا من نوعٍ آخر (ومن ترامب على نحوٍ خاص)؛ لما تحمّلها من تبعاتٍ على المصالح الأمريكية أولًا وعلى كَيان الاحتلال ثانيًا؛ نظرًا لحتمية قوّة الردّ الإيراني التي قد تفتحُ أبوابَ جهنّم على كَيان الاحتلال.
من ناحيةٍ أُخرى، يسعى الأمريكي إلى خلق حالةٍ من الهدوء في الساحة العراقية؛ ليس حُبًّا بالعراق؛ بل طمعًا بالنفط والثروات؛ ويريد تكرارَ نموذج السعوديّة في العراق ليصبح البقرةَ الحلوبَ الثانية.
ودورُ المبعوث الأمريكي سافايا في ترسيخ هذا المفهوم واضح: الأمن مقابل النفط والثروات، ولا استقرار من دون أن تَهَبُوا لشركات الاستثمار الترامبية ما تملكون.
وهنا تبرز الحقيقة الأوسع: ترامب يسعى من خلال مبعوثيه إلى ترتيبِ أوراق الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ تمهيدًا لترتيب أوراق “مشروع إبراهام” وإحلال السلام من خلال القوة وهو المفهوم الترامبي للسلام لتأتي بعدها مرحلة “إسرائيل الكبرى” كنتيجةٍ لنجاح تلك المشاريع التي تمهّد لقيام الدولة المزعومة من النيل إلى الفرات.
لذلك، أينما حقّق ترامب موطئَ قدمٍ له؛ فهي ليست لنتنياهو وحدَه، بل للحلم الصهيوني ذاته؛ لأنّه أحد المؤمنين بطموح الصهاينة ومشروعهم التوراتي.
