في اليوم الـ29 من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، واصل الاحتلال الإسرائيلي خروقاته الميدانية عبر غارات جوية على مناطق شرقي خان يونس، بالتزامن مع قصف مدفعي واستهدافات بالأسلحة الرشاشة من المدرعات، فيما تواصلت عمليات نسف وتدمير المباني السكنية في رفح جنوب القطاع، في انتهاك صارخ لبنود الهدنة المعلنة.
وبحسب مصادر ميدانية، بدأ فريق مشترك من الصليب الأحمر وكتائب القسام عمليات بحث في حي السلطان بمدينة رفح عن جثة جندي إسرائيلي مفقود، وسط حالة من الاستنفار الأمني والقلق الإنساني في القطاع المحاصر.
من جانبها، أكدت حكومة غزة أن الاحتلال مستمر في سياسة الخنق الاقتصادي والمعيشي، مشيرة إلى أن 4453 شاحنة فقط دخلت القطاع من أصل 15,600 شاحنة مقررة منذ بدء اتفاق الهدنة، ما يعكس استمرار الحصار وتجويع السكان.
وفي تطور لافت، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن الولايات المتحدة تولت إدارة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل كامل بدلاً من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن القرارات التنفيذية باتت بيد مركز التنسيق المدني العسكري الأميركي، فيما تراجع الدور الإسرائيلي إلى مجرد جهة استشارية. وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن باتت تمسك بملف الإغاثة والإشراف المدني في القطاع في محاولة للحد من نفوذ نتنياهو ومراقبة التزامه بوقف إطلاق النار.
وبينما يؤكد الاحتلال الإسرائيلي تمسكه بسلطة توزيع المساعدات داخل غزة، تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة باتت الجهة الفعلية المتحكمة في الجانب الإنساني، بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
في المقابل، يتواصل التصعيد في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة، حيث أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني إصابة خمسة أشخاص، بينهم أربعة متضامنين أجانب، في اعتداء مستوطنين على مزارعين في بلدة بورين جنوب نابلس، كما اعتدى مستوطنون على صحفيين فلسطينيين في بلدة بيتا.
وفي تطور جديد، منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية الواقعة بين كفر قدوم شرق قلقيلية وبيت ليد شمال طولكرم، وأطلقت الرصاص الحي باتجاه الأهالي أثناء محاولتهم قطف الزيتون في كفر قدوم. كما اعتدى مستوطنون على مزارعين في بلدة سنجل شمال رام الله، حيث ضربوا أحد المزارعين وسرقوا جزءاً من محصول الزيتون، فيما اقتحمت قوات الاحتلال البلدة لتأمين الحماية للمستوطنين واعتلت أسطح المنازل.
وتؤكد مصادر محلية أن الاعتداءات المنظمة على المزارعين الفلسطينيين تتكرر سنوياً خلال موسم قطف الزيتون، ما يؤدي إلى خسائر جسيمة في المحاصيل ويضاعف من معاناة السكان. وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد تم تسجيل 7,154 اعتداء على المواطنين وممتلكاتهم في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023، أسفرت عن استشهاد 33 مواطناً وتدمير أكثر من 48,700 شجرة، بينها 37,237 شجرة زيتون، في مؤشر على سياسة ممنهجة لتجريف الأرض وضرب الاقتصاد الفلسطيني الريفي.
في الأثناء، تتجه الأنظار نحو مجلس الأمن الدولي الذي يستعد للتصويت على مشروع قرار بشأن قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة، ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أكد أن تشكيل القوة بات قريباً، بينما شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على أن القرار المنتظر “سيفتح المجال أمام الدول المتطوعة للانضمام فوراً إلى جهود حفظ السلام”.
في المقابل، تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً مكثفة على الاحتلال الإسرائيلي للموافقة على ممر آمن لإخراج مقاتلي حماس من رفح مقابل تحييد الأنفاق وإقامة “منطقة نموذجية” تحت إشراف قوة دولية. ورغم رفض إسرائيل العلني لهذا المقترح، فإن واشنطن تسعى لتطبيقه ضمن مراحل خطة ترامب التي نصت على انسحاب الاحتلال من رفح تدريجياً بعد تثبيت الهدنة في 10 أكتوبر الماضي.
وهكذا، يتضح أن المشهد الميداني والسياسي في فلسطين يتجه نحو تصعيد متعدد الأوجه: غارات إسرائيلية مستمرة في غزة، وتصعيد استيطاني في الضفة، وتغلغل أميركي في إدارة القطاع، في ظلّ صمت دولي مريب يكرس واقع الاحتلال ويزيد من معاناة الفلسطينيين بين نار العدوان وجدار الحصار.
