تتوالى الأدلة الدولية التي تفضح جرائم كيان العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن تقرير سري خطير أعده المفتش العام في وزارة الخارجية الأمريكية قبل أيام من إعلان وقف إطلاق النار في غزة، أكد أن الجيش الإسرائيلي ربما ارتكب مئات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مستخدمًا أسلحة أميركية الصنع في عملياته العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين.
ووفقاً للتقرير، تلقت وزارة الخارجية الأمريكية نحو 500 بلاغ موثق من وكالات حكومية ومنظمات حقوقية وشهود عيان، جميعها تشير إلى أن قوات الاحتلال استخدمت الأسلحة الأمريكية في هجمات استهدفت منازل مدنية وملاجئ ومستشفيات، وأسفرت عن مجازر مروعة راح ضحيتها مئات المدنيين، بينهم عشرات الأطفال.
من بين تلك الجرائم، وثّق التقرير غارة إسرائيلية على مبنى سكني في غزة أسفرت عن استشهاد أكثر من 90 شخصاً بينهم 25 طفلاً، إلى جانب ضربات متعمدة على خيام نازحين ومجمعات طبية، منها مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. ورغم وضوح الأدلة، فإن وزارة الخارجية الأمريكية لم تفتح تحقيقاً فعلياً في أكثر من ثلثي هذه الحالات، متذرعة بانتظار رد من حكومة الاحتلال.
وأكد المستشار القانوني في الخارجية الأمريكية جون رامنغ تشابيل أن تجاهل إدارة واشنطن لهذه الانتهاكات يُعد دعماً مباشراً لسياسة القتل والإبادة التي ينتهجها نتنياهو، مشيراً إلى أن استمرار نقل الأسلحة إلى تل أبيب يُمثّل تواطؤاً فاضحاً في جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
وفيما أعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر عن “قلق عميق” إزاء ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن مراجعة هذه الاتهامات ضد الوحدات العسكرية الإسرائيلية قد تستغرق سنوات طويلة، في محاولة واضحة لتمييع القضية وطمس الحقائق.
ويأتي هذا التقرير في وقت تتزايد فيه الضغوط داخل الكونغرس الأمريكي لتقييد المساعدات العسكرية المقدمة للكيان الصهيوني، وسط تصاعد الغضب الشعبي والحقوقي داخل الولايات المتحدة وأوروبا حيال استخدام الأسلحة الأميركية في ارتكاب جرائم إبادة جماعية موثقة بحق المدنيين في غزة.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكب العدو الإسرائيلي – بدعم أمريكي مطلق – واحدة من أفظع الجرائم ضد الإنسانية، راح ضحيتها أكثر من 68 ألف شهيد و170 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض، في حين يواصل فرض حصار خانق وتجويع متعمّد لقطاع غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي السياق ذاته، أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن لديها “آلاف الأدلة الموثقة” التي تثبت ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية. وأوضح عضو اللجنة، كريس سيدوتي، أن التحقيق شمل أكثر من 16 ألف بند من الأدلة الميدانية المصورة والمثبتة بالشهادات الموثقة وفق معايير الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن اللجنة حددت وحدات عسكرية إسرائيلية وقادة سياسيين وعسكريين أصدروا أوامر مباشرة بتنفيذ تلك الجرائم.
يُذكر أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أوامر اعتقال دولية بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بينما تتزايد المطالبات الدولية بفرض عزلة سياسية واقتصادية على الكيان ومحاكمة قياداته كمجرمي حرب.
اليوم، وبعد عامين من الحرب، لم يعد هناك خلاف حول توصيف ما يجري في غزة، فحتى الدول الغربية التي التزمت الصمت طويلاً بدأت تُقرّ بأن ما يمارسه كيان الاحتلال هو إبادة جماعية متكاملة الأركان، قوامها القصف، والتهجير، والتجويع، واستهداف الصحفيين والمستشفيات، في تحدٍّ صارخٍ لكل القوانين الدولية والإنسانية.
إن هذا السيل المتواصل من التقارير الدولية، وعلى رأسها التقرير الأمريكي السري، يكشف بجلاء أن الكيان الإسرائيلي لم يعد مجرد قوة احتلال، بل أصبح منظومة إجرامية منظمة، تمارس القتل المنهجي بدعم سياسي وعسكري من واشنطن، وتعيش اليوم عزلةً أخلاقية متصاعدة، بينما يزداد العالم اقتناعاً بأن العدالة لن تتحقق إلا بمحاكمة قادته كمجرمي حرب ومحاسبة داعميهم أمام المجتمع الدولي.
