المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الاقتصاد الإسرائيلي بين تبعات الحرب والركود: كيان يترنّح تحت ثقل الانهيار البنيوي

    يعيش كيان الاحتلال واحدة من أكثر مراحله قتامة اقتصاديًا؛...

    غارات أمريكية على “شبوة” تسفر عن مقتل 7 أشخاص ومقتل مجند برصاص أحد زملائه

    قُتل سبعة أشخاص بينهم قياديان في تنظيم القاعدة، إثر...

    الخيانة والمقاومة بين فلسطين وسوريا: رؤية جيريمي سولت لانهيار الشرق العربي تحت هيمنة الغرب والاحتلال

    يقدّم المؤرخ والباحث في شؤون الشرق الأوسط جيريمي سولت قراءة عميقة ومتشائمة لمشهد المنطقة في مقاله المنشور بصحيفة فلسطين كرونيكل، حيث يرى أن سوريا وفلسطين تقفان اليوم على خطّ الانهيار ذاته، نتيجة خيانات داخلية وتدخلات خارجية أنهكت البنية الوطنية والهوية الجامعة، وحوّلت بلاد الشام إلى رقع نفوذ موزعة بين قوى الاحتلال الغربي والصهيوني.

    يرى سولت أن سوريا اليوم مقسّمة فعلياً: فالشمال الغربي تحت السيطرة التركية، والشمال الشرقي خاضع للاحتلال الأمريكي والأكراد، فيما يسيطر كيان العدو الإسرائيلي على الجنوب، في مشهد يعيد إنتاج مخطط التقسيم الذي بدأ مع القوى الإمبريالية منذ عام 1918. أما رأس النظام الجديد، أحمد الشرع – المعروف سابقاً بـأبي محمد الجولاني – فقد تحوّل من زعيم لتنظيم القاعدة إلى أداة سياسية في يد واشنطن، مانحاً الأميركيين قاعدة جوية قرب دمشق، ومعبّراً عن استعداده للانخراط في ما يسمّى اتفاقات أبراهام مع كيان الاحتلال، في خيانة واضحة لفلسطين ولسوريا على حدّ سواء.

    ويصف سولت صعود هيئة تحرير الشام بأنه لم يكن غزواً بل تسليماً مبرمجاً لسوريا من الداخل، إذ دخلت مدن الغرب السوري – من حماة إلى دمشق – دون مقاومة تُذكر، بعد انهيار مفاجئ للجيش السوري الذي صمد أكثر من عقد. أعقب ذلك موجة من الانتهاكات والمجازر الطائفية البشعة، حيث وثّقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في تقريرها الصادر في أغسطس 2025 جرائم إبادة واغتصاب وتهجير ضد العلويين والدروز والمسيحيين في الساحل والسويداء، شاركت فيها ميليشيات مدعومة من الخارج.

    التقرير الأممي الذي قدّمه باولو بينهيرو وصف الانتهاكات بأنها “لا توصف” من حيث وحشيتها، مؤكداً أن عشرات القرى أُفرغت بالكامل وأُحرقت، وأن آلاف النساء والفتيات تعرضن للعنف الجنسي والإجبار على الزواج القسري. هذه الممارسات، بحسب سولت، لم تكن سوى امتداد لمخطط التدمير المنهجي الذي يستهدف بنية المجتمع السوري وهويته التاريخية.

    ويتهم سولت الغرب بأنه صنع الجولاني ليكون “واجهة معتدلة” للهيمنة الأميركية–الإسرائيلية. فالرجل الذي قاتل تحت راية القاعدة وارتكب جرائم حرب في إدلب، صار يُقدَّم في العواصم الغربية والخليجية على أنه “رجل الدولة الجديد” القادر على إعادة الإعمار. ويشير الكاتب إلى أن استقبال الشرع في الرياض وواشنطن وبرلين يؤكد أن المشروع الغربي في سوريا لم يعد يهدف إلى إسقاط النظام فحسب، بل إلى تفكيك الدولة واستبدالها بنموذج طائفي تابع للغرب والاحتلال.

    ويحذّر سولت من أن الحرب على سوريا لم تنتهِ، بل تتخذ شكلاً جديداً من الاحتلال غير المباشر والتفكيك البطيء، بينما تتكامل مع حرب الإبادة في فلسطين وعدوان العدو الإسرائيلي على لبنان. فالقوات الأميركية والتركية والإسرائيلية لا تُبدي أي نية للانسحاب، في حين يتواصل نزيف الأرض والهوية.

    ويرى الكاتب أن ما يجري في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين ليس سوى فصل واحد من حرب شاملة يشنها الغرب وإسرائيل على تاريخ المنطقة وثقافتها وحضارتها، تهدف إلى طمس الهوية العربية وتحويل شعوبها إلى أدوات تابعة. فكما يقول سولت، “لم تعد سوريا التي عرفناها موجودة، بل باتت خريطة منقسمة على طاولة الغزاة”، والخيانات الداخلية تُكمّل حلقات مشروع التقسيم القديم.

    في ختام مقاله، يخلص جيريمي سولت إلى أن المقاومة وحدها هي السور الأخير المتبقي في وجه هذا الطوفان الإمبريالي–الصهيوني. فالشعوب التي ناضلت لقرن كامل من أجل حريتها لن تسمح، كما يقول، بأن يُسدل الستار على تاريخها بهذه الطريقة. فالحرب على سوريا وفلسطين ليست حرب حدود، بل حرب وجود وهوية، تخوضها الأمة العربية ضد برابرة العصر الذين زرعوا كيانهم الإبادي في قلبها منذ أكثر من قرن، وما زالوا يظنون – بغطرستهم – أنهم بمنأى عن الحساب.

    spot_imgspot_img