شهد قطاع غزة فجر الأربعاء تصعيداً إسرائيلياً جديداً، حيث شن الطيران الحربي للاحتلال ثلاث غارات متتالية على شمال شرقي بلدة بيت لاهيا، خلف ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”.
وأفادت مصادر ميدانية أن قوات الاحتلال أطلقت نيرانها باتجاه مخيم البريج وسط القطاع، كما نفّذت عملية نسف شرق مدينة خان يونس جنوبي غزة، في وقت لا تزال فيه عمليات التمشيط والبحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين مستمرة شرق حي الزيتون بالتنسيق بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكتائب القسام.
استخراج عشرات الجثامين من مقابر جماعية
في مشهد مؤلم يعكس حجم المأساة الإنسانية في القطاع، أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة عن استخراج 35 جثماناً لفلسطينيين مجهولي الهوية من ساحة عيادة الشيخ رضوان بمدينة غزة، تم دفنهم على عجل خلال أشهر الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وذكر البيان أن الجثامين نُقلت إلى مستشفى الشفاء لأخذ عينات منها تمهيداً للتعرف على أصحابها، بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية. ومن المقرر أن تُدفن الجثامين – بعد 48 ساعة من الفحص – في مقبرة الصليب الأحمر بمدينة دير البلح.
يأتي ذلك ضمن جهود إعادة دفن الجثامين التي وُريت الثرى سابقاً في مقابر عشوائية بالشوارع والحدائق العامة أثناء العدوان، حيث يواصل الفلسطينيون نقل رفات الشهداء إلى مقابر شرعية بعد التعرف عليهم.
تعذيب الأسرى الفلسطينيين وفضائح حقوقية دولية
في تطور صادم، كشفت مصادر طبية في غزة أن عدداً كبيراً من الجثامين التي سلّمها الاحتلال ضمن صفقة تبادل تحمل آثار تعذيب وتنكيل شديدين.
وذكرت لجنة الجثامين أن الفحص المبدئي أظهر آثار تقييد محكم للأيدي وتعصيب للعيون وإصابات نارية وكدمات عميقة، ما يشير إلى تعرض الأسرى للتعذيب قبل أو بعد استشهادهم.
وأكدت وزارة الصحة تسلّم 315 جثماناً دون معلومات تعريفية، في ظل عجز المختبرات المحلية عن إجراء فحوص الحمض النووي بسبب الحصار ونقص المعدات.
في السياق ذاته، عقدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في جنيف جلسات لمراجعة مدى التزام “الاحتلال الإسرائيلي” بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وسط تقارير حقوقية تؤكد ممارسة الاحتلال التعذيب بشكل منهجي ضد الفلسطينيين.
وطلب خبراء الأمم المتحدة من إسرائيل تقديم توضيحات حول الاعتقالات الإدارية واعتقال القاصرين وظروف الاحتجاز، فيما رد وفد الاحتلال الإسرائيلي بادعاءات “الالتزام بالقانون الدولي”.
من جهتهم، أدلى أسرى محررون من غزة بشهادات مؤلمة، أبرزهم حسين الزويدي وإسلام أحمد، تحدثا فيها عن ضرب مبرح وصعق بالكهرباء وتجويع ممنهج داخل معتقل “سدي تيمان”، مؤكدين أن التعذيب “كان جزءاً منظماً من إدارة المعتقل”.
البحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين شرق غزة
على الجانب الآخر، استأنفت فرق الصليب الأحمر الدولي بالتعاون مع كتائب القسام عمليات البحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين في حي الزيتون شرق غزة.
ووفق مصادر ميدانية، سُمح بدخول مركبات الصليب الأحمر والقسام إلى المنطقة، دون الآليات الهندسية الثقيلة، في ظل توتر ميداني وخشية من خروقات إسرائيلية.
قلق أمريكي من اتفاق وقف الحرب في غزة
سياسياً، كشفت صحيفة بوليتكو الأمريكية أن بعض المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب أعربوا عن قلق متزايد من صعوبة تنفيذ بنود اتفاق وقف الحرب في غزة، خاصة المتعلقة بـ”قوة الاستقرار الدولية”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي قوله إن الولايات المتحدة تنتظر صدور قرار من مجلس الأمن بشأن غزة، فيما يجري الإعداد لـ”مؤتمر دولي للمانحين” يتبعه تشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار.
يُشار إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلف أكثر من 69 ألف شهيد و170 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى دمار هائل في البنية التحتية تجاوز 90% من المرافق المدنية في القطاع المنكوب.
عنف المستوطنين في الضفة يربك المؤسسة العسكرية
في الضفة الغربية، حذّرت صحيفة يديعوت أحرونوت من تصاعد غير مسبوق في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين وحتى ضد الجيش الإسرائيلي نفسه، مؤكدة أن الظاهرة تحوّلت من مجرد “زعران التلال” إلى “برابرة التلال” — وهي التسمية التي اختارها هؤلاء لأنفسهم.
وأوضحت الصحيفة أن قادة ألوية الجيش في الضفة طلبوا من رئيس الأركان إيال زامير إعادة تفعيل الاعتقالات الإدارية ضد عناصر المستوطنين بعد فشل الشرطة في السيطرة على موجة العنف.
وأكد التقرير أن هؤلاء المتطرفين اليهود يمارسون أعمال حرق واعتداءات وحشية على المزارعين الفلسطينيين من الخليل إلى نابلس، بتحريض مباشر من وزراء متشددين مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وأشار ضباط صهاينة إلى أن هذه الأفعال “سادية” تتجاوز كل الخطوط الحمراء، وأن الجيش بدأ يشعر بأنه “يفقد السيطرة” على الوضع.
التحقيق أورد شهادات عن مستوطنين يهاجمون جنوداً، ويحرقون مركبات عسكرية، ويعتدون على مدنيين إسرائيليين يعارضونهم.
وتُظهر الإحصاءات أن الضفة الغربية شهدت خلال الأشهر الأخيرة أكثر من 200 حادث عنف استيطاني موثق، بينها حرائق متعمدة واعتداءات على مراكز شرطة.
ويرى مراقبون إسرائيليون أن تغاضي حكومة نتنياهو عن إرهاب المستوطنين سمح بتحوّلهم إلى “ميليشيا متمردة” تهدد حتى أمن المستوطنات اليهودية نفسها.
وقال أحد قادة المستوطنين ليديعوت أحرونوت: “لقد أنشأنا التلال وساعدناهم في البداية، والآن يهاجموننا نحن. هذه ليست حركة أيديولوجية بل فوضى منظمة”.
خلاصة المشهد
بين قصف متواصل في غزة، وتعذيب للأسرى، وفوضى استيطانية في الضفة الغربية، وقلق أمريكي من مستقبل الحرب — تبدو “إسرائيل” غارقة في أزمة أخلاقية وسياسية وأمنية مركبة.
وفي الوقت الذي تواصل فيه المقاومة الفلسطينية تثبيت معادلات الردع الميداني، تتسع الفجوة داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته بين جيشٍ يترنّح ومستوطنين يعبثون دون رادع، ما يُنذر بأن الفوضى القادمة قد تنفجر من الداخل قبل أن تأتي من الخارج.
