في ظل محاولة البعض تصويرَ أن السعوديّة قد هُزمت في اليمن مرتين، أولاهما في حرب الجمهورية والملكية، وثانيتهما في حرب الانفصال، وفي المقابل تصوير انتصار حربها الثالثة على اليمن كانتصار ساحقٍ لم تكن تحلم به قبل الثورات الأخيرة، فإنه يحز في النفس حقًا أن نسمع ونقرأ مثل هذا التوصيف ممن هم في صنعاء ويعتبرون أنفسهم شركاء في مواجهة ومناهضة تحالف العدوان الدولي على اليمن، دون أن نشارك بالإيضاح والتوضيح لإثراء الموضوع بتصور منطقي ومعقول يجب أن يُقرأ من منظور ديني ووطني واسع، لا من منظور دنيوي ضيق.
وللإنصاف أكثر، نقول إنه لولا اتساع نطاق ودائرة العمالة والارتزاق من قبل بعض القوى السياسية، لما كان المشهد كما هو اليوم.
ففي المرحلتين اللتين وُصف فيهما انتصار اليمن على السعوديّة، كان ذلك بفضل تماسك الإرادَة وتوحدها بين القوى الوطنية نوعًا ما في حينه، لإفشال مخطّط السعوديّة لفرض أجندتها بالاستعانة برموز من عناصر العمالة والارتزاق الذين شملتهم عطاءات “اللجنة الخَاصَّة”، واستفادوا من صرف مرتباتهم الشهرية بشكل علني وجلي حتى عام 2011م.
ومنذ ثورة فبراير وحتى اللحظة، وصل الحال إلى ما هو عليه الآن بفعل تزاحم وتسابق قوى سياسية يمنية على التطبيع والعمالة والارتزاق المباشر للسعوديّة وبقية دول الخليج والغرب، في ظاهرة سيئة للغاية لم يسبق لها مثيل في تاريخ العمالة الدولية.
ورغم كُـلّ ذلك، فإن المعركة الحقيقية والمصيرية التي يخوضها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة ومعهم الأحرار الشرفاء من أبناء القبائل والقوى الوطنية، هي نتاجٌ لعمالة تلك القوى السياسية، والتي كانت بمثابة الشرارة الأولى والهدف الرئيسي لنجاح ثورة 21 سبتمبر.
وما إن نجحت الثورة، كان نجاحها مفاجئًا للسعوديّة ودول الخليج وكافة دول العالم، ولأجله تحالفت كُـلّ دول العدوان لاستهداف هذا الانتصار الذي هزّ وأيقظ أنظمة القوى العظمى، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وكَيان الاحتلال.
ومعه، أصبحت أنظمة دول الخليج والدول العربية والإسلامية تمارس الدور الذي بدأته القوى السياسية اليمنية العميلة، وصار الجميع في موضع التطبيع التام بلا حياء أَو استحياء للأسف.
واليوم، بات الجميع فعلًا متورطين في ذلك المستنقع المخزي.
ولكن بفضل شجاعة وحنكة ونباهة القيادة الثورية، ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وبصمود وتضحيات واستبسال ووعي وتماسك الأحرار الشرفاء المناهضين لسياسات العمالة والارتزاق، أصبحنا على مشارف النصر العظيم، المؤيد والمؤزر برعاية الله تعالى، لقطع دابر يد الوصاية.
وكان من أعظم ثمار هذا الصمود خوض معركة مساندة القضية الفلسطينية ضد العدوّ الإسرائيلي.
وما هي إلا أَيَّـام قليلة بإذن الله، وستتجلى للشعب اليمني الصابر الصامد ولكافة شعوب الأُمَّــة العربية والإسلامية “الحكمة اليمانية” التي وصفنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وستكون صنعاء عاصمة الحكمة وقبلة العرب والمسلمين الأولى، في صورة بارزة ونموذج راقٍ يُحتذى به في جميع محافل العالم للتحرّر من الوصاية، وزوال القوى السياسية العميلة دون رجعة.
وإن غدًا لناظره قريب، تأكيدًا ومصداقًا لوعد الله تعالى بنصرة المستضعفين في الأرض.
