المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    الأرصاد يتوقع طقساً بارداً إلى شديد البرودة

    توقع المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر طقساً بارداً إلى...

    اتفاق بلا ضمانات: مأزق وقف إطلاق النار في غزة ولبنان

    وقف إطلاق النار كما هو قائم اليوم، يعيد إنتاج...

    سيادة لبنان على المحك.. بين خطاب الدولة وممارسة المقاومة

    على مفترق طرق تاريخي حاسم، يقف لبنان، سليل قرون...

    المؤامرة.. وحقّ الرد

    أعلنت الأجهزةُ الأمنية في صنعاء عن إحباط شبكة تجسُّس...

    السعوديّة وأوهام صنع الانتصار في اليمن

    في ظل محاولة البعض تصويرَ أن السعوديّة قد هُزمت...

    سيادة لبنان على المحك.. بين خطاب الدولة وممارسة المقاومة

    على مفترق طرق تاريخي حاسم، يقف لبنان، سليل قرون من الكفاح ضد الهيمنة، ليواجهَ اليوم سؤال وجوده الأعمق: ما هي السيادة؟ فبينما يتردّد صدى شعار “بسط سلطة الدولة” في الأروقة الرسمية، تتسع الهُوة بين هذا الخطاب المُجَـرّد وبين واقع مرير على الأرض؛ ففي ظل غياب أية استراتيجية دفاعية وطنية حقيقية تتصدى للانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة، يتحوّل هذا الشعار أحيانًا من مشروع وطني إلى غطاء للعجز، أَو ربما إلى أدَاة لاسترضاء قوى خارجية على حساب المصلحة الوطنية العليا.

    تتجلَّى المفارقة اللبنانية في أقصى صورها هنا: الدولة التي تنادي ببسطِ سلطتها، هي ذاتها التي تقف عاجزة عن ممارسة أبسط أشكال هذه السلطة في وجه عدوان خارجي يفرض إرادته ويمنعها من تحقيق سيادتها الفعلية.

    في هذا السياق، يصبح الحديث عن “سلطة الدولة” كأدَاة دفاعيةٍ ضربًا من التضليل المعرفي والسياسي.

    فالتجسيد العملي للسيادة لا يكمن في الخطابات الرسمية، بل في القدرة على حماية الأرض، وهو الدور الذي تضطلع به المقاومة الوطنية اليوم، لتملأ فراغًا استراتيجيًّا تركته الدولة شاغرًا.

    إن تعريفَ السيادة في أبسط صوره هو “السيطرةُ الفعلية على الإقليم” و”القدرة على استبعاد إرادَة الدول الأُخرى”.. هذا بالضبط ما تفشل الدولة في تحقيقه، بينما تنجح المقاومة في ممارسته عمليًّا.

    إن محاولة فصل “بسط السلطة” عن “الدفاع” أشبهُ بفصل الجسد عن روحه؛ فسيادةُ الدولة لا تُقاس بانتشار مؤسّساتها الإدارية فحسب، بل بقدرتها على حماية مواطنيها من العدوان.

    وهذا الفصل المتعمَّدُ ليس مُجَـرّدَ سوء فهم، بل هو مؤشر على عجز مقصود، وربما محاولة لإرضاء الخارج، وتحديدًا الولايات المتحدة، التي تفضل لبنان منزوع السيادة الحقيقية، مسلوب الإرادَة، وغير قادر على الدفاع عن نفسه.

    ولا أدلّ على ذلك من استخدام واشنطن للمساعدات الخارجية كأدَاة ضغط سياسي، حَيثُ لا تُمنح هذه المساعدات إلا للدول التي تخدم سياساتها؛ مما يؤكّـد أن منطق “أمريكا أولًا” يسعى لتحويل الدول إلى مُجَـرّد توابع ذليلة.

    أمام لبنان اليوم خياران لا ثالث لهما: إما الاستمرار في ترديد خطاب “بسط السلطة” الشكلي الذي يرضي الخارج على حساب الأمن القومي، أَو تبني مشروع سيادي حقيقي، تجسده المقاومة، ويرفض منطق التبعية.

    إن “سلطة الدولة” التي يتحدثون عنها تظل ناقصة ومشوّهة طالما أغفلت بعدها الدفاعي.. فالدولة الحقيقية هي التي تحمي مواطنيها، لا التي تتركهم تحت رحمة قصف عدواني متكرّر.

    صحيح أن بسط السلطة يعني توفير الخدمات من صحة وتعليم وبنى تحتية، لكن كيف يمكن بناء مدرسة أَو مستشفى تحت تهديد القصف؟ وكيف تستقيم حياة اقتصادية في ظل عدوان يتربص بالبشر والحجر؟

    السلطة، في جوهرها، هي القدرة على فرض الطاعة.

    والدولة التي تعجز عن فرض إرادتها على عدوها الخارجي، تظل سلطتها منقوصة ومشروطة بإرادَة ذلك العدوّ.

    إن الدفاع عن لبنان مهمة تاريخية لا تحتمل المساومة، والمقاومة تثبت كُـلّ يوم أنها خط الدفاع الأخير أمام مخطّطات الإذلال.

    أما السيادة الحقيقية، فهي تلك التي تنبع من إرادَة شعب مقاوم يرفض أن يكون أدَاة في مشاريع الخارج، ويصر على أن تكون كلمته هي العليا، وأرضه محرّرة، وكرامته مصانة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    فهد شاكر أبوراس

    spot_imgspot_img