في تطور غير مسبوق، أقرت الولايات المتحدة الأمريكية، الثلاثاء، بفقدانها القدرة على دخول البحر الأحمر، في اعترافٍ رسمي هو الأول من نوعه في تاريخها الحديث، يعكس التحولات الاستراتيجية التي فرضتها التطورات الإقليمية خلال العامين الأخيرين، وفي مقدمتها الصعود اليمني العسكري والسيادي في البحر الأحمر وخليج عدن.
وكشفت وكالة بلومبيرغ الأمريكية أن شركتي “غوغل” و”ميتا” أوقفتا تنفيذ مشاريع كابلات بحرية عملاقة كانت مقررة عبر البحر الأحمر، نتيجة المخاوف الأمنية المتصاعدة في الممر الدولي، الذي أصبح خارج السيطرة الأمريكية المباشرة. وأكدت الوكالة أن الشركتين – اللتين واجهتا اتهامات واسعة بدعم الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب غزة – اضطرتا إلى تجميد خطط مدّ الكابلات إلى أجل غير مسمى، بعد أن تعذر ضمان سلامة مساراتها البحرية.
وذكرت بلومبيرغ أن من بين المشاريع المتعثرة الكابلات الدولية (IMEWE) و(SEA-ME-WE 4)، التي كانت تمثل شرايين حيوية للربط السحابي بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. وأشارت إلى أن تعطّل هذه المشاريع سيؤثر على حركة البيانات والاتصال العالمي، ويجبر الشركات على البحث عن مسارات بديلة أكثر كلفة وأطول زمنًا عبر المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح.
ويُعدّ هذا الإقرار الأمريكي سابقة تاريخية، إذ لطالما مثّل البحر الأحمر ممرًا استراتيجيًا خاضعًا للهيمنة الأمريكية وحلفائها منذ الحرب الباردة. غير أن التطورات الأخيرة – ولا سيما منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023 – غيّرت موازين القوة بشكل جذري. فبعد إعلان صنعاء دعمها للمقاومة الفلسطينية وإغلاقها البحر الأحمر أمام السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، خاضت القوات اليمنية مواجهات بحرية واسعة مع الأساطيل الأمريكية والبريطانية، انتهت بسلسلة هجمات نوعية ألحقت أضرارًا جسيمة ببوارج ومدمرات، وأجبرت التحالف الدولي على الانسحاب من المنطقة.
وبحسب مراقبين، فإن الفشل الأمريكي في إعادة تموضع قواته في البحر الأحمر رغم الهدوء النسبي خلال الأسابيع الماضية يعكس اعترافاً عملياً بتغيّر موازين الردع لصالح صنعاء، خصوصاً بعد الاتفاق غير المعلن الذي قضى بامتثال واشنطن لشروط اليمن بوقف العدوان والحصار الإسرائيلي على غزة مقابل تهدئة العمليات البحرية.
ويرى محللون أن هذا الإقرار الأمريكي لا يمثل مجرد قرار فني أو أمني، بل تحوّلاً استراتيجياً عميقاً في معادلة السيطرة على أهم ممر مائي في العالم، حيث تمرّ عبره أكثر من 12% من التجارة الدولية. فاليمن – الذي يسيطر على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب – بات اليوم رقماً محورياً في أمن الطاقة والتجارة العالمية، بعد أن تمكن من كسر الهيمنة الأمريكية البريطانية على الممر المائي الحيوي الذي ظل لعقود تحت وصاية القوى الغربية.
ويشير هذا التحول إلى أن البحر الأحمر لم يعد كما كان، بل أصبح منطقة نفوذ جديدة لليمن وقوى المقاومة، فيما تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها واقعاً جديداً يقوم على الندية وميزان الردع، لا على التفوق العسكري المطلق الذي اعتادته واشنطن منذ عقود.
