في مشهدٍ يُكرّسُ الانهيارَ الأخلاقي ويُوثّقُ لحظةَ عارٍ في تاريخ السياسات العربية المُذعِنة، تبرزُ فضيحةٌ جديدةٌ تكشفُ العمقَ الاستراتيجي للخيانة.. فوفق ما نقلته وكالة «فرانس برس» العالمية، تدورُ حَـاليًّا مناقشاتٌ ميدانية وسرية بين «مرتزِقة اليمن» – الذين يعملون تحت غطاءِ ما يُطلق عليه «الشرعية» المدعومة سُعوديًّا وإماراتيًّا – حول طلبٍ أمريكي عاجلٍ لتجنيد آلاف المقاتلين من محافظات مأرب وعدن والمخاء والمناطق المحتلّة الأُخرى، تمهيدًا لنقلهم إلى قطاع غزة في مهمةٍ مشبوهة.
هذه المهمة، التي تُقدَّم تحت شعارات «الدولية» و«الشرعية»، ليست سوى غطاءٍ لمخطّط صهيوني خطير أُعدّ بعناية، ووُجّه عبر آليات مجلس الأمن تحت الضغط الأمريكي المباشر.
فالهدف المعلن لتلك «القوات الدولية» المزعومة يتعارض جوهريًّا مع كرامة الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره؛ إذ يُراد لها أن تكون أدَاة لتنفيذ وصايةٍ جديدة تكرّس الاحتلال وتشكّل غطاءً لعملية التطهير العرقي البطيء، تحت مسمّيات زائفة مثل «حفظ السلام» و«الإدارة الانتقالية».
أما الهدف غير المعلن، والأكثر خطورة، فهو «الضرب الناعم» للنموذج اليمني المقاوم، الذي بات يمثل ضمير الأُمَّــة العربية والإسلامية.
فقد نجحت حكومة صنعاء وأنصار الله، عبر مواقفهم الثابتة ودعمهم المتواصل لغزة، في كسر حاجز الصمت الإقليمي، وتحويل القضية الفلسطينية من مُجَـرّد شعارٍ إلى مشروع عملٍ ملموس.
هذا النجاح اليمني الباهر أصبح كابوسًا استراتيجيًّا لواشنطن وتل أبيب، بعد أن فشلت كُـلّ محاولاتهما في قمع الصوت اليمني أَو تشويه سمعته إقليميًّا ودوليًّا.
لهذا جاء هذا المخطّط الأمريكي كحلٍّ يائسٍ لعدة أزمات في آنٍ واحد: فهو أولًا محاولةٌ لتوفير غطاءٍ عربيٍّ زائف للتدخُّل الصهيوني في غزة، وثانيًا وسيلة لتصفية الحساب مع النموذج اليمني المشرف عبر تشويه صورة اليمنيين بهؤلاء المرتزِقة، وثالثًا إيجاد منفذٍ جديد لتصدير أزمة هؤلاء المرتزِقة الذين أصبحوا عبئًا ثقيلًا على داعميهم.
هذه الخطوة المشبوهة لا تمثل تطورًا عابرًا في مسار الصراع، بل هي كشفٌ صارخ لحقيقة التحالفات المفضوحة والولاءات المشبوهة التي تربط ما يُسمّى بمرتزِقة اليمن بالقوى الصهيونية والأمريكية.
فالنقاش الجاري حول نقل مقاتلين من المناطق الواقعة تحت سيطرة «الشرعية» إلى غزة يكشف تناغمًا خطيرًا في العلاقات بين هذه الأطراف، ويؤكّـد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه الميليشيات لم تعد مُجَـرّد أدوات محلية في الصراع اليمني، بل تحولت إلى سيفٍ مسلّطٍ يتم توجيهه بحسب إرادَة التحالف الأمريكي–الإسرائيلي لضرب مصالح الشعوب وتحقيق أهدافهم الاستعمارية.
هذا التناغم الثلاثي بين المرتزِقة والإسرائيليين والأمريكيين ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج ترتيبات استراتيجية تمتد جذورها إلى سنوات من التنسيق الخفي والعلنية المتزايدة.
فكما استخدمت واشنطن وتل أبيب التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق تحت غطاء «معارضة مسلحة»، ها هم اليوم يحوّلون المرتزِقة في اليمن إلى أدَاة تنفيذ لمخطّطاتهم في المنطقة.
لقد بات واضحًا أن هؤلاء المرتزِقة تحولوا إلى سيفٍ مقصومٍ على رقاب اليمنيين والفلسطينيين معًا؛ فهم من جهة يستخدمون لضرب إرادَة الشعب اليمني وتفتيت وحدته الوطنية، ومن جهة أُخرى يتم تدريبهم وتوجيههم ليكونوا رأس حربة في مواجهة المقاومة الفلسطينية الباسلة.
إنها معادلة خبيثة تهدف إلى جعل اليمنيين يقاتلون إخوانهم الفلسطينيين، والفلسطينيين يواجهون إخوتهم اليمنيين، بينما يقف كَيان الاحتلال وواشنطن على الهامش تشعل نار الفتنة، وتجني ثمار التقسيم والتمزيق.
هذه العلاقة العضوية بين المرتزِقة والصهاينة لم تعد تخفى على أي مراقب.
فكما مولّت أمريكا ودول الخليج هذه الجماعات لضرب اليمن، ها هم اليوم يوجّهونها نحو غزة لخدمة الأجندة الصهيونية.
إنها حلقة مفرغة من الخيانة، تتجلى فيها بوضوح حقيقة هذه الجماعات التي باعت ضميرها وشرفها ووطنها بثمنٍ بخس.
لقد أصبح المرتزِقة أدَاة طاعةٍ في يد اليهود والصهاينة لتحقيق أهداف متعددة في آنٍ واحد: تشويه الشعب اليمني، وتقديم نموذج عملي للتعاون العسكري المباشر بين القوى العميلة وكَيان الاحتلال.
لكن الشعب اليمني الأبي، الذي قدّم مئات الآلاف من الشهداء في مواجهة التحالف السعوديّ–الإماراتي–الأمريكي–الإسرائيلي، ووقف صامدًا في وجه أعتى آلة حرب في العالم، لن تنجح هذه المحاولات اليائسة في طمس هويته النضالية أَو تشويه صورة صموده عبر هؤلاء المرتزِقة.
فشعبٌ قدّم كُـلّ هذا العطاء لا يمكن أن يقبل بالتنكر لقضيته المركزية، قضيته الأم: فلسطين.
إن اليمن الذي وقف شامخًا طوال السنوات الماضية، مدافعًا عن فلسطين بكل ما يملك، لن تنال من مواقفه هذه المخطّطات.
فكما انتصر على تحالف الدول الكبرى في الداخل، سينتصر على مخطّطاتهم في الخارج، وسيظل صوته مدوّيًا في سماء الأُمَّــة، شاهدًا على أن اليمن أرض العز والكرامة، لا أرض الخيانة والاستسلام.
جرّ المرتزِقة اليمنيين إلى معركةٍ ضد إخوانهم في غزة تحت أية ذريعةٍ يُعدّ جريمةً سياسيةً وأخلاقيةً لا تُغتفر.
فقد دفع الشعب اليمني ثمنًا باهظًا من دماء أبنائه ليحافظ على قراره المستقل، بينما هؤلاء المرتزِقة يقبلون بأن يصبح دمهم رخيصًا إلى درجة بيعه لأعداء فلسطين.
تاريخ اليمن الحضاري ومستقبله الوطني يقفان اليوم على المحك في معركةٍ مصيرية، حَيثُ يُحاول الأعداء عبر المرتزِقة تحويل أبنائه من أسيادٍ يقرّرون مصيرهم إلى عبيدٍ ينفذون أجندات الآخرين.
إن صمود غزة وثبات اليمن وجهان لعملةٍ واحدة: عملة التحرّر والكرامة.
والذين يحاولون كسر هذه المعادلة إنما يحفرون قبورًا لأحلامهم هم أنفسهم.
فشعوب المنطقة قد استفاقت من سباتها، ولم تعد تنصت لخطابات الخيانة والاستسلام.
إن الدمَ اليمني الذي روّى تراب اليمن دفاعًا عن حريته، لن يُسفَكَ إلا دِفاعًا عن القضايا العادلة، وليس خدمةً لأجندات الاستعمار والصهيونية.
