المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    اتحاد المنسوجات: مستعدون لتوفير الملابس بجودة أعلى وتكلفة أقل من المستورد دعماً للاقتصاد الوطني

    أعلن الاتحاد التعاوني للمنسوجات والملبوسات والأسر المنتجة استعداده الكامل...

    القبيلة اليمنية.. استراتيجيةٌ حقيقية أمام الكَيان

    في كُـلّ الحروب التاريخية، وبخَاصَّة حروب العصر الحديث، حَيثُ...

    عام على سقوط الدولة السورية

    في نوفمبر من العام الماضي، شهدت سوريا انقلابًا استراتيجياً...

    المرتزِقة.. من أدوات العدوان على اليمن إلى رأس حربة صهيونية في غزة

    في مشهدٍ يُكرّسُ الانهيارَ الأخلاقي ويُوثّقُ لحظةَ عارٍ في...

    ما نوع السلام الذي تنشده القيادة السياسية في صنعاء من أعدائها؟

    هذا السؤال يشكل الهاجس الأكبر والشغل الشاغل في أذهان...

    القبيلة اليمنية.. استراتيجيةٌ حقيقية أمام الكَيان

    في كُـلّ الحروب التاريخية، وبخَاصَّة حروب العصر الحديث، حَيثُ تهيمن التكنولوجيا والجيوش النظامية ذات الميزانيات الضخمة والتقنيات المتطورة، تبرز من أرض اليمن الطيّب استراتيجيةٌ فريدة – قديمةٌ بجذورها، حديثةٌ بفعاليتها – أعادت للعالم التعريف الحقيقي لمفهوم القوة، ومعنى الإرادَة والبسالة، وقلبت موازين الحسابات الاستراتيجية رأسًا على عقب.

    إنها استراتيجية القبيلة اليمنية، بكل ما تحمله من رموز القيم الإنسانية السامية: الإباء، والنخوة، والكرامة، والثبات على المبدأ، والقدرة الفطرية على رفض الظلم والاستعباد، والتي تُجسِّدها اليوم في الاحتشاد القبلي، والنَّكف، والزحف المُنظم.

    ليست هذه الاستراتيجية وليدة اللحظة، بل هي امتداد لـ”جينوم” تاريخي من المقاومة والصمود.

     

    وقد نجحت في إرباك واحدةٍ من أكثر الجيوش تطورًا في المنطقة، فأذلّت وكسرت هيبة أعظم قوى الاستكبار العالمي، وكتبت تاريخًا جديدًا، وفرضت واقعًا مغايرًا لما كان مرسومًا في ذاكرة التاريخ، لتثبت أن إرادَة الشعوب، حين تتوحّد حول قيمها الأصيلة، تصبح أقوى من أي ترسانة عسكرية.

    القبيلة اليمنية ليست مُجَـرّد تجمّع سكاني أَو نَسَب عشائري، بل هي الركيزة الأَسَاسية للمجتمع اليمني، وصمّام الأمان في كُـلّ قضيةٍ وطنية أَو حدثٍ مفصلي.

    فغالبًا ما تُفهم القبيلة من خارج السياق اليمني على أنها كيان تقليدي منغلق، لكن الواقع يُظهر عكس ذلك تمامًا.

    ففي ساحة المواجهة، تتحوّل القبيلة إلى هيكلٍ اجتماعي–عسكري شديد المرونة، عظيم البأس، صلب الإرادَة، سريع الفاعلية.

    إنها كـ”دولة مصغّرة” تمتلك نظامها الاجتماعي المتماسك، وآلياتها لاتِّخاذ القرار، وقدرتها الفائقة على تعبئة الرجال والموارد في زمنٍ قياسي.

    هذه المرونة تجعلها عصيّة على الضربات التي تنجح عادةً ضد الجيوش النظامية ذات التسلسل الهرمي الصارم.

    فعندما يُستهدف قائد، ينهض عشرات غيره من قلب النسيج الاجتماعي نفسه، ليملأوا الفراغ دون تردّد أَو فراغ قيادي.

    والنخوة القبلية ليست مُجَـرّد شعار أَو ترديد لفظي، بل هي دستور حياةٍ ومحركٌ أخلاقيٌّ لا يُقهَر.

    إنها ذلك الحافز العميق الذي يدفع الفرد إلى الفداء دفاعًا عن الأرض، والعرض، والكرامة.

    في مواجهة العدوان، تتحول النخوة إلى طاقة مقاومة لا تنضب.

    فجنود الجيوش النظامية يقاتلون تنفيذًا لأوامر، بينما يقاتل المقاتل القبلي؛ لأَنَّه يستحيل عليه أن يرى أرضه تُدنّس أَو كرامة أهله تُهدَر.

    هذا الفارق الجوهري في الدافع يخلق نوعًا من المقاتلين لا يعرف للاستسلام معنى، ولا يهاب الموت، بل يرجو الشهادة.

    إنه العامل النفسي الذي تجهله معادلات القوة الغربية، لكنه العامل الحاسم في ميادين القتال.

    والاحتشاد القبلي ليس مُجَـرّد تجمُّع عَفوي، بل فنُّ حربٍ سريع وغير مكلف، يمكّن من حشد آلاف المقاتلين في وقتٍ قياسي، وفي مناطق متفرقة، دون الحاجة إلى خطوط إمدَاد معقّدة أَو تدريبات طويلة.

    ويعتمد هذا الاحتشاد على معرفة دقيقة بالجغرافيا المحلية، وقدرة فائقة على تحويل الجبال والوديان إلى حصون طبيعية ومرابض للصواريخ والصواريخ المضادة.

    بهذا، تفرض القبيلة على العدوّ الميكانيكي خوض حرب استنزاف في بيئة غير ملائمة، فتحوّل تفوقه التقني إلى عبء ثقيل.

    فكيف لقوة جوية متطورة أن تواجه مئات الأهداف الصغيرة المتحَرّكة، المنتشرة على امتداد جغرافيا وعرة لا تعرفها سوى القبائل نفسها؟

    ولهذا السبب بالذات، ترعب هذه الاستراتيجية “الكيان” الصهيوني وأعوانه.

    فأولًا: نجحت في تحييد التفوق الجوي؛ إذ لم يعد امتلاك السماء يعني امتلاك الأرض، خُصُوصًا مع قدرة القبائل على التخفي، والتحَرّك بخفة، واستخدام الأنفاق والتمويه، ما جعل الضربات الجوية عالية التكلفة وقليلة المردود.

    ثانيًا: فرضت حرب استنزاف طويلة، تستنزف موارد العدوّ المالية والبشرية، وتهبط بمعنويات جنوده، بينما يزداد المقاومون إصرارا وقوة.

    ثالثًا: صعُب على العدوّ تحديد الهدف؛ فلا ثكنات واضحة، ولا قيادة مركزية واحدة.

    القبيلة كلها جيش، والأرض كلها جبهة.

    وهذه اللامركزية تشكّل كابوسًا لأي جهاز استخباراتي.

    ورابعًا: نجحت القبيلة اليمنية، من خلال خطابها الأصيل وفعلها المقاوم، في بناء قوة ناعمة إعلامية عظيمة، أرسلت رسائل بالستية إلى العالم، وخلقت ضغطًا معنويًّا وسياسيًّا على الكيان، معزّزة مكانة اليمن كقلعة للعزة، والكرامة، والبأس الشديد.

    القبيلة اليمنية، بطبيعتها الفريدة، وهويتها الإيمانية، وقدرتها على الحضور والاحتشاد، لم تكن مُجَـرّد رد فعل على عدوان، بل قدّمت نموذجًا استراتيجيًّا فريدًا يثبت أن أعتى أنواع القوة لا تُقاس بأحدث العتاد والتقنية، بل بالإرادَة التي لا تنكسر، والروح الإيمانية التي لا تتبدّد، والانتماء إلى الأرض الذي يتجاوز كُـلّ الحسابات.

    لقد أعاد اليمنُ للأُمَّـة العربية درسًا في الكرامة، والقوة، والإرادَة، والثبات، والمعنى الحقيقي للتعبير عن الذات، ولغة القوة، والاستعداد للمواجهة والزحف.

    ففي هذا، وجد الكيان المحتلّ، وجيوش الهيمنة، أن صيحات الغضب، والنخوة، والرغبة في المواجهة.. أخوف في آذانهم من دويّ أعتى القنابل.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    طوفان الجنيد

    spot_imgspot_img