في اليوم الخامس والأربعين لبدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تواصلت الخروقات العسكرية لجيش الاحتلال الصهيوني في مختلف مناطق القطاع، مخلفةً خمسة شهداء وعدداً من الجرحى، في وقتٍ تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية بصورة غير مسبوقة.
وأفادت مصادر طبية في مستشفيات غزة بأن أربعة فلسطينيين استشهدوا بنيران جيش الاحتلال في مدينتي غزة وخان يونس منذ ساعات الصباح، قبل أن تلتحق طفلة خامسة إلى قافلة الشهداء متأثرة بجراحها التي أصيبت بها قبل يومين في قصفٍ على مخيم النصيرات وسط القطاع.
وشنّ جيش الاحتلال عشر غارات جوية داخل ما يُعرف بـ“الخط الأصفر” شرقي خان يونس، ترافقها عمليات نسف وقصف مدفعي شرقي رفح، كما طال القصف منطقة التعليم في بيت لاهيا شمال القطاع، محدثاً دماراً واسعاً في المرافق المدنية.
وفي الوقت ذاته، انتشلت فرق الإنقاذ جثامين 12 شهيداً من تحت أنقاض منزلٍ مدمّر في مخيم المغازي، ليرتفع إجمالي عدد الجثامين المنتشلة منذ بدء وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر/تشرين الأول إلى 586 جثماناً، بينما أعلنت الشرطة إصابة طفل بانفجار جسم من مخلفات القصف الصهيوني في منطقة الشاطئ الشمالي. وأكدت الجهات الرسمية في غزة وجود أكثر من 20 ألف جسم متفجر منتشرة بين الأحياء السكنية تشكّل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين.
وفي الضفة الغربية، واصل جيش الاحتلال اقتحاماته واعتداءاته، حيث أصدر قراراً عسكرياً بالاستيلاء على 77 دونماً من الأراضي الزراعية في بلدتي الزعيم والعيساوية شرق القدس المحتلة، فيما أجبر ثلاث عائلات بدوية على الرحيل قسراً من تجمع الحثرورة قرب الخان الأحمر.
من جهته، وصف المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حازم قاسم ما يجري في المناطق الشرقية والوسطى من القطاع بأنه “عمليات تطهير عرقي مكتملة الأركان وتمديدٌ لحرب الإبادة“، مؤكداً أن المقاومة تتابع عن كثب هذه الخروقات وتحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعياتها.
في المقابل، زعم جيش الاحتلال أنه استهدف ثلاثة فلسطينيين في خان يونس بدعوى تجاوزهم الخط الأصفر، بينما أكد مصدر في المقاومة الفلسطينية أنه تم العثور على رفات أسير إسرائيلي شمال مخيم النصيرات، يُعتقد أنه كان محتجزاً لدى سرايا القدس.
وفي الجانب الإنساني، حذّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من استمرار الوضع الكارثي في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار، موضحة أن أكثر من 90% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وأن الاحتياجات الغذائية لا تُلبّى سوى جزئياً، إذ لا يحصل كثيرون إلا على وجبة واحدة يومياً. وأشارت إلى أن 170 شاحنة مساعدات فقط تدخل يومياً، وهو رقم لا يغطي الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية.
كما أكدت الوكالة أن نحو 44 ألف طفل يتلقون تعليمهم في 330 مساحة تعليم مؤقتة داخل 59 مركز إيواء، في ظروف صعبة وبدون مقاعد أو تجهيزات مدرسية، حيث يجلس الأطفال على الأرض الباردة في ظل غياب الخدمات الأساسية.
سياسياً، كشفت حركة حماس عن لقاء عقده وفدها القيادي في القاهرة مع مدير المخابرات المصرية حسن رشاد، لمناقشة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. وأوضح المتحدث حازم قاسم أن الوفد أبلغ الوسيط المصري أن الخروقات الصهيونية المتواصلة تهدد بتقويض الاتفاق، مؤكداً أن أي قوات دولية مقترحة إلى القطاع يجب أن يكون دورها الفصل بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال وليس العكس.
وأضافت الحركة في بيانها أن استمرار الاحتلال في تجاوز الخط الأصفر وقصف المناطق السكنية، ورفضه فتح معبر رفح أو إدخال المساعدات وفق البروتوكولات الإنسانية، يمثل خرقاً واضحاً لاتفاق الهدنة ولقرار مجلس الأمن رقم 2803 المتعلق بخطة التسوية الأمريكية.
وفي ضوء هذه التطورات، تبدو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار محفوفة بالمخاطر، وسط تصعيد صهيوني ممنهج وواقع إنساني يقترب من الانهيار الكامل، بينما يبقى المدنيون في غزة بين نار الاحتلال وغياب الاستجابة الدولية الفاعلة لإنهاء معاناتهم.
