المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    حزب الله.. ولَّادُ قادة بمستوى الشهداء

    تشكِّلُ العملياتُ المتكرّرةُ التي ينفِّذُها الكَيانُ الصهيوني ضد قيادات...

    حين تُفتَح أبواب الغضب

    لم يكن اغتيال القائد الجهادي الكبير، الشهيد هيثم علي...

    حرص صنعاء على اليمن أرضًا وإنسانًا

    مع مرور الزمن، بات جليًّا للقاصي والداني حرصُ قيادة...

    طوفان الأقصى يعيد تفجير أزمات “العدو الإسرائيلي” ويكشف عمق انقساماته

    لا شيء يشغل كيان العدو الإسرائيلي اليوم أكثر من سؤال البقاء، بعد أن هزّ طوفان الأقصى عقيدته الأمنية حتى جذورها، وفضح هشاشة منظومته السياسية والعسكرية. فبينما يحاول العدو لملمة صفوفه بعد الفشل الكارثي في السابع من أكتوبر 2023، تتآكل مؤسساته من الداخل بصراعاتٍ علنية حول “لجنة التحقيق” التي تحولت إلى عنوانٍ لانقسامٍ غير مسبوق.

    منذ الأيام الأولى للهجوم، تصاعدت مطالب داخلية بتشكيل لجنة تحقيق رسمية تكشف أسباب الانهيار الأمني والعسكري الذي عصف بالكيان، غير أن بنيامين نتنياهو، المتهم بجرائم حرب والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، رفض ذلك بإصرار، متذرعاً بأن “التحقيق في زمن الحرب يُضعف الجبهة الداخلية”. لكن سقوط هذه الذريعة كان سريعاً، بعدما اضطر جيش العدو لإقالة عدد من كبار قادته، بينهم رئيس الأركان “أفيف كوخافي” ورئيس الشاباك “رونين بار” ورئيس الاستخبارات “أهرون حليفا”، في إقرارٍ غير معلن بحجم الفشل.

    ومع اشتداد الضغوط السياسية والإعلامية، اضطر نتنياهو إلى الموافقة على تشكيل “لجنة حكومية” بدلاً من لجنة تحقيق رسمية، وهو التفافٌ قانوني مكشوف، إذ إن اللجنة الحكومية تخضع لسلطة التحالف السياسي الحاكم ولا ترتبط بالمحكمة العليا، ما يجعلها أداة بيد الحكومة لا وسيلة لمحاسبتها. ولإضفاء مظهر الشفافية، كلف نتنياهو وزير العدل المتطرف “ياريف ليفين” – مهندس الانقلاب القضائي الذي فجّر احتجاجات غير مسبوقة – برئاسة اللجنة، إلى جانب ثمانية وزراء من عتاة الصهيونية الدينية المتورطين في التحريض على الإبادة، وهو ما دفع المعارضة للقول إن “القط هو من سيضع قواعد الصيد”.

    المعارضة الإسرائيلية رفضت المشاركة ووصفت اللجنة بأنها “لجنة تستر وتواطؤ”. فقد أعلن يائير لبيد وأفيغدور ليبرمان وغادي آيزنكوت مقاطعتهم للجنة، مؤكدين أن الحكومة تهرب من الحقيقة. كما هاجمت حركة “أحرار في بلادنا” الاحتجاجية الحكومة ببيان لاذع، قالت فيه إن “من تسبب في مجزرة السابع من أكتوبر لا يمكنه أن يحقق في نتائجها”. حتى مجلس أسرى وضحايا الحرب انضم إلى الموجة الغاضبة، معتبراً أن “الذين يجب التحقيق معهم هم أنفسهم من يشكلون لجنة التحقيق”.

    وفي الوقت ذاته، تُسرب التقارير الأمنية والعسكرية تباعاً لتؤكد أن الفشل كان شاملاً ومركباً. فقد كشف تقرير رسمي أن نتنياهو لم يضع “مفهوم أمن قومي” منذ 2018، وأن مجلس الأمن القومي لم يصدر توصيات منذ 2008. أما التقرير الأهم، الذي أعدّه اللواء المتقاعد سامي ترجمان و14 جنرالاً، فأكد أن “الجيش والشاباك فشلا في فهم تطور حركة حماس من تنظيم مقاوم إلى جيش نظامي”، وأنهما تجاهلا معلومات خطة “أسوار أريحا” التي كانت تحذر من سيناريو اقتحام شامل. كما أظهر التقرير أن سلاح الجو فشل في حماية الأجواء المنخفضة، والبحرية كانت عاجزة عن التصدي لأي هجوم، بينما كانت الجبهة الشمالية شبه خالية يوم الهجوم.

    ولمح مراقبون إلى أن نتنياهو يسعى الآن لتمرير قانونٍ في الكنيست يمنح اللجنة الحكومية صلاحيات قضائية شكلية دون رقابة المحكمة العليا، في محاولة لإغلاق الملف سياسياً قبل أن يتحول إلى محاكمة علنية له ولائتلافه اليميني.

    وهكذا، تحولت أزمة التحقيق إلى انعكاس مباشر لأزمة “الشرعية الداخلية” في كيان العدو، حيث يسعى من يتحمل المسؤولية عن أسوأ كارثة أمنية في تاريخه إلى التحكم في نتائج التحقيق ذاته.

    في المحصلة، أعاد طوفان الأقصى إنتاج الانقسام البنيوي داخل الكيان الإسرائيلي، وأطاح بأسطورة “التماسك الداخلي” التي طالما تغنّى بها قادته. وبين اتهامات متبادلة، وفقدان ثقة متصاعد، وانهيار في صورة المؤسسة الأمنية، يبدو أن العدو بات يأكل نفسه من الداخل قبل أن تهزمه المقاومة من الخارج.

    spot_imgspot_img