تشهد المحافظات الجنوبية لليمن والواقعة تحت سيطرة حكومة المرتزقة الموالية لتحالف العدوان، تصعيدًا خطيرًا غير مسبوق، يُنذر بانفجار وشيك بين القوى الموالية لكلٍّ من الإمارات والسعودية، في ظلِّ احتقانٍ قبليٍّ وعسكريٍّ متزايد، وسط تحركاتٍ ميدانية محمومة تؤكد أن أبوظبي تمضي نحو فرض واقعٍ جديد في الجنوب اليمني بالقوة، بينما تتحشّد القبائل الموالية للرياض لكسر نفوذ الإمارات ومرتزقتها.
وترد الإمارات بسحب دعمها لحكومة عدن رسمياً وتحاصر القصر الرئاسي لحكومة المرتزقة أو ما يسمى “قصر معاشيق” بتفعيل ميليشيا المجلس الإنتقالي، في خطوةٍ تُعدّ تمهيدًا لطرد “حكومة المرتزقة” وإعلان السيطرة الكاملة على المدينة.
وفي خطوةٍ غير مسبوقة، بدأ حلف قبائل حضرموت، الخميس، رفع أعلامه على المباني الحكومية في مدينة المكلا – المعقل الأبرز للقوات الإماراتية في المحافظة الغنية بالنفط – في تحدٍّ مباشرٍ لأبوظبي. وتزامن رفع الأعلام مع احتشادٍ قبليٍّ ضخم في منطقة عليب، شارك فيه مئات المشايخ من مختلف مديريات حضرموت، إضافة إلى وفود قبلية من المهرة وشبوة، تلبيةً لدعوة رئيس الحلف الشيخ عمرو بن حبريش، المقرّب من السعودية.
ورغم تهديدات الفصائل الموالية للإمارات وفرض حظر تجوال جزئي في الساحل، فقد تدفقت الحشود القبلية معلنةً الجهوزية التامة لمواجهة أي تحرك عسكري إماراتي. وقال المتحدث باسم الحلف، صالح عمر الدويلة، إن القبائل “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تدخل خارجي يستهدف أرضها وثرواتها”، محذرًا المحافظ الموالي للإمارات من “التحشيدات الأجنبية”.
ويرى مراقبون أن هذا التطور يمثّل انقلابًا في موازين القوى داخل حضرموت، حيث فقدت أبوظبي جزءًا من نفوذها أمام تصاعد الاصطفاف القبلي المناهض لها، بالتوازي مع تصعيد سعودي لدعم موقف الحلف.
الإمارات تسحب دعمها لحكومة عدن
في موازاة التصعيد الميداني، أعلنت الإمارات رسميًا سحب دعمها المالي لحكومة عدن، التي يرعاها التحالف السعودي، بعد فشل مفاوضاتها مع الرياض بشأن تقاسم النفوذ في حضرموت. وأكد المستشار الإماراتي عبدالخالق عبدالله أن بلاده “أعادت توجيه مبلغ المليار دولار من دعمٍ لحكومة عدن إلى استثمارٍ في دولة الجنوب العربي”، في إشارة صريحة إلى تمويل الفصائل الانفصالية الموالية لها.
وكان السفير الإماراتي في اليمن قد أعلن الأربعاء دعم قطاع الكهرباء بمليار دولار خلال زيارته لعدن، قبل أن يتبيّن لاحقًا أن القرار تحوّل إلى تمويلٍ مباشرٍ للفصائل الانفصالية، ما اعتُبر “صفعة سياسية واقتصادية” لحكومة رشاد العليمي الموالية للسعودية.
قوات الانتقالي تحاصر “المعاشيق”
في تطورٍ متزامن مع أحداث حضرموت، حاصرت مليشيات المجلس الانتقالي، الخميس، قصر “المعاشيق” في عدن – مقر إقامة رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي وأعضاء حكومته – في خطوةٍ تُعدّ تمهيدًا لطرد الحكومة وإعلان السيطرة الكاملة على المدينة.
وأظهرت مقاطع مصورة مئات المسلحين من فصائل الانتقالي وهم يطوقون محيط القصر، بالتزامن مع ترتيبات إماراتية لإعادة عيدروس الزبيدي إلى المدينة بعد إبعاده بقرار سعودي ضمن اتفاق الرياض الأخير.
ويقول مراقبون إن هذه الخطوة تمثل انقلابًا فعليًا على السلطة الشرعية في عدن، وتعكس سعي الإمارات لفرض إدارة ذاتية جديدة، تمهيدًا لإعلان الانفصال.
طارق صالح يدخل المعركة.. والإمارات تدفع بتعزيزات ضخمة
في الوقت ذاته، دفعت الإمارات بقواتٍ مرتزقتها بقيادة طارق عفاش– نجل شقيق الرئيس الأسبق – إلى خطوط المواجهة في حضرموت عبر ساحل أبين، ضمن خطة لتعزيز فصائلها في الهضبة النفطية.
كما أرسلت وحدات من “العمالقة الجنوبية” و“الحزام الأمني”، مع تحركات عسكرية تتبع رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي نفسه، ما يشير إلى أن أبوظبي قررت الحسم الميداني بعد فشل التفاهمات السياسية.
وقالت مصادر قبلية إن التعزيزات الإماراتية “تهدف إلى السيطرة الكاملة على منابع النفط في وادي حضرموت، وقطع الطريق أمام النفوذ السعودي في الشرق”، وسط تقارير عن انسحاباتٍ جماعية لمقاتلين حضارم من معسكرات الساحل احتجاجًا على السياسة الإماراتية.
السعودية تتحرك عبر القبائل.. ومخاوف من مواجهة مباشرة
في المقابل، تتحرك السعودية عبر دعم القبائل في حضرموت والمهرة وشبوة لمواجهة تمدد الإمارات، ووقف ما تعتبره “مشروعًا لتفكيك اليمن وتقويض المصالح الخليجية المشتركة”. ويحذّر مراقبون من أن التصعيد بين الطرفين قد يفضي إلى مواجهة مباشرة بين قوات مدعومة من الرياض وأخرى من أبوظبي، خصوصًا مع تزايد التحشيد في الهضبة النفطية وتداخل مناطق النفوذ في الجنوب الشرقي.
وتؤكد مجمل التطورات أن حضرموت تحوّلت إلى ساحة مواجهة إقليمية بامتياز، تمثل فيها القبائل واجهةً للصراع السعودي–الإماراتي على الثروات والموقع الجيوسياسي. ويرى مراقبون أن أبوظبي تسعى لفرض واقع انفصالي شامل جنوب اليمن، بينما تراهن الرياض على دعم القوى المحلية الموالية لها لكبح جماح هذا المشروع.
ومع دخول فصائل جديدة على خط الصراع، مثل قوات طارق صالح والعمالقة والحزام الأمني، فإن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة من الفوضى والانقسام قد تنسف ما تبقى من نفوذ التحالف في اليمن.
الجنوب بين “معركة النفط” و”معركة الهوية”
وفي ظل هذا المشهد المحتدم، يبدو الجنوب اليمني اليوم على صفيحٍ ساخنٍ من المواجهة. القبائل ترفع أعلامها وتعلن التحدي في حضرموت، والإمارات تدفع بقواتها وتحاصر الحكومة في عدن، والسعودية تراقب بقلقٍ من الرياض.
وبين معركة السيطرة على الهضبة النفطية ومعركة فرض الهوية السياسية، يقف اليمن على أعتاب تحوّلٍ تاريخي قد يعيد رسم خريطة البلاد من جديد – فإما انفصالٌ تفرضه الإمارات بقوة السلاح، أو انتفاضة قبلية وشعبية تعيد التوازن إلى الشرق والجنوب.
