المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    اليمن بين ذكرى الاستقلال الثامن والخمسين وواقع الاحتلال الجديد

    في اللحظة التي يستعيد فيها اليمنيون الذكرى الثامنة والخمسين...

    صنعاء والضاحية.. وفاءٌ مؤصل وعهدٌ أبدي لا يسقطه التقادم

    في لحظة تاريخية فارقة، حَيثُ تتهاوى أبنيةُ التبعية تحت...

    لماذا أقدمت القيادة الإيرانية فجأة على كشف أسرار “حرب الأيام الـ12”

    لماذا أقدمت القيادة الإيرانية فجأة على كشف أسرار “حرب...

    البحر الأحمر قصة الصمود الأزلي

    ​بين هدوء البحر وأمواجه العاتية تجسد الإعصار الذي يهدد...

    بارق شر ابن سلمان يلوحُ في أفق اليمن ولبنان

    لا تحمل زيارة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان...

    ذاكرة وطن وصمود شعب

    عندما طُويت صفحة الاحتلال في الثلاثين من نوفمبر 1967، ارتفع عَلَمُ اليمن فوق سماء عدن إيذانًا بميلاد عهد جديد من الحرية والسيادة.. لم يكن هذا اليوم حدثًا عابرًا، بل كان تتويجًا لمسار نضالي طويل، سُطر بدماء الشهداء وتضحيات الأحرار الذين رفضوا أن يعيش وطنهم تحت نير الاستعمار.

    بعد 129 عامًا من الاحتلال البريطاني، استطاع اليمنيون انتزاع استقلالهم بإرادَة لا تلين، ليكتبوا بذلك فصلًا من فصول البطولة والتضحية.

    لم يكن انسحاب آخر جندي بريطاني مُجَـرّد حركة عسكرية، بل كان إعلانًا صريحًا لانتصار الإرادَة الشعبيّة التي ترفض الخضوع وتتمسك بحقها في حياة كريمة.

    اليوم، ونحن نحتفي بهذه الذكرى الخالدة، تظل الدروس المستفادة منها حاضرة في وجداننا: فالوحدة الوطنية والالتفاف حول مشروع الدولة وتمكين مؤسّساتها كانت ولا تزال أَسَاسًا لتحقيق الاستقلال في الماضي ولبناء المستقبل.

    وتكريم المناضلين الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن يبقى واجبًا أخلاقيًّا ووطنيًّا لا ينتهي.

    ليس الاحتفال بعيد الجلاء طقسًا سنويًّا فحسب، بل هو تجديد للعهد بأن تبقى اليمن أرضًا حرة، وأن تظل رايتها مرفوعة رغم كُـلّ التحديات.

    وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا اليوم، تأتي هذه المناسبة لتذكرنا بأن الشعب الذي انتزع استقلاله بقوة الإرادَة قادر على النهوض من جديد وبناء دولته بصلابة وإصرار.

    لقد أثبت اليمنيون عبر تاريخهم الطويل أن إرادتهم لا تنكسر، وأن حلم الدولة المستقرة والعادلة لا يموت.

    وفي هذا اليوم المجيد، يبقى الأمل كَبيرًا بأن تعود اليمن موحدة وآمنة، تحفظ كرامة إنسانها وتفتح آفاق التنمية لأجيالها القادمة.

    عيد الجلاء هو عيد للوطن بأكمله، عيد للحرية والتضحية، وشاهد على إرادَة لا تُقهر.

    إنه اليوم الذي تكلمت فيه الأرض لغة الحرية، وانتصرت فيه الإرادَة على المحن.

    ففي الثلاثين من نوفمبر لا تشرق الشمس على اليمن فقط، بل تشرق على ذاكرة وطن صاغ تاريخه بمداد التضحية، ونسج حريته بخيوط الدم والوفاء.

    كان الاستقلال حلمًا فأصبح حقيقة، وكان الاحتلال واقعًا فأصبح ذكرى.

    وبين الحلم والواقع وقف اليمني صلبًا كالجبل، لا تهزه العواصف ولا تطفئ جذوته الليالي الحالكة.

    لقد حمل هم الوطن، فحمله الوطن في ذاكرته، وكتب التاريخ اسمه على صفحات من نور ونار: نور الحرية، ونار المقاومة.

    في عيد الجلاء نستعيد سيرة الرجال الذين جعلوا من الوطن رسالة، ولم يعرفوا للذل طريقًا.

    رجال إن حضروا شمخوا، وإن غابوا بقيت آثارهم كالعطر الذي لا يزول.

    فإذا كان الاحتلال قد رحل، فَــإنَّ روح الجلاء باقية، تذكيرًا بأن لا حياة بلا حرية، ولا كرامة بلا سيادة، وأن الأوطان تُحمى بالإخلاص كما تُحمى بالسلاح، وبالوعي كما تُحمى بالثبات.

    إنها معركة دائمة؛ مِن أجلِ الاستقلال، ذلك هو تاريخ اليمن.

    والثلاثون من نوفمبر محطة في مسيرة طويلة من النضال والاستبسال.

    فعبر تاريخه، واجه اليمن تهديدات عديدة، وفي خضم تصديه لها، كان يبدو أحيانًا على وشك الضياع، لكنه أثبت أن حياة الأمم أصلب من غطرسة الإمبراطوريات، فاستطاع الحفاظ على استقلال أرضه وطهر ترابه وهُوية إنسانه.

    إن عيد الجلاء ليس تاريخًا نحتفل به، بل روحًا نعيشها ووهجًا يضيء درب المستقبل.

    فهو رسالة للأجيال بأن الاستقلال ليس نهاية الطريق، بل بدايته، وأن بناء الدولة العادلة يحتاج إلى عزائم تحمي وعقول تبني وقلوب تصدق.

    وها هي الأحداث تؤكّـد أن ثمة بونًا شاسعًا بين العرب المرتهنين لإرادَة غيرهم، والعرب الأحرار الذين يملكون نفوسًا أبيّة تتشوق إلى الكرامة وتتطلع إلى النجاة.

    وفي النهاية، يبقى الثلاثون من نوفمبر نشيدًا للوطن، وعنوانًا للكرامة، ومرآة تعكس وجه اليمن الأصيل..

    اليمن الذي إن جار عليه الزمان عاد فأشرق، وإن أثقلته الجراح نهض فأبدع، وإن حاولت الرياح إطفاء شعلة إرادته ازدادت توهجًا واتقادًا.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    خلود الشرفي

    spot_imgspot_img