لا تحمل زيارة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان الأخيرة إلى أمريكا بشائر خير أَو إشارات على إحلال الأمن والسلام في الوطن العربي، بل تلوح في أفقها غيوم داكنة تحمل في طياتها مخطّطات تهدّد اليمن ولبنان على وجه الخصوص.
فالحفاوة التي استقبل بها في البيت الأبيض لا تعكس تقديرًا لشخصه أَو لقوة المملكة بقدر ما تكشف عن حالة القلق الغربية المتصاعدة من تنامي قوة محور المقاومة وعجزها عن حماية حليفها الإسرائيلي في المنطقة، ما جعل النظام السعوديّ “الأمل الأخير” لديها لتحقيق أهدافها.
وخلال الزيارة، سلّط سؤال صحفية أُورُوبية عن تعامل واشنطن مع الرياض رغم معلومات استخباراتية تؤكّـد تورط الأخيرة في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، الضوء على طبيعة هذه العلاقة.
لم يكن هذا التساؤل بريئًا أَو عفويًّا، بل هو جزء من استراتيجية الضغط الأمريكية التي تحتفظ بورقة “خاشقجي” في جعبتها لتوجيه القرار السعوديّ وتثبيت تبعية النظام، وهو ما يبدو أنه كابوس حقيقي يؤرق ولي العهد السعوديّ ويحد من حركته.
اليمن: ساحة الاختبار التي كسرت جبروت التحالف
الحرب التي قادتها الرياض ضد اليمن لتسع سنوات متواصلة، وبكل ما تملكه من قوة عسكرية ومالية ونفوذ دولي، انتهت إلى فشل ذريع.
لقد أثبت اليمن، بإرادَة شعبه وإيمانه، أنه قادر على الصمود وتحقيق الانتصار حتى بأبسط الإمْكَانيات، مجبرًا طائرات الـF-18 وF-16 الأمريكية الصنع على الانسحاب مهزومة.
اليوم، تدفع واشنطن بحليفها السعوديّ نحو جولة جديدة من المواجهة في اليمن، في محاولة يائسة لتعويض خسائرها واستنزاف قوة المقاومة.
لكن هذه الخطوة، التي قد تبدو للبعض غباءً أَو عمىً، هي في جوهرها انتحارية بالنسبة للنظام السعوديّ، الذي سيُستخدم كوقود في معركة ليست معركته، بينما العاقبة ستكون لصالح القوى الاستكبارية العالمية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وكَيان الاحتلال الصهيوني.
لا تقتصر التهديداتُ القادمة من الرياض على اليمن فحسب، بل تمتد لتشمل لبنان، حَيثُ يتحوّل العداء التاريخي للنظام السعوديّ لحزب الله إلى دعم مباشر لأي عدوان إسرائيلي محتمل.
إن محاولة إخضاع لبنان واستهداف مقومته هي جزء من نفس المخطّط الرامي إلى تمكين الهيمنة الغربية والصهيونية على المنطقة، وتجريد الشعوب من خيار المقاومة والدفاع عن نفسها.
إذن..قصة صمود اليمن وانتصاره على تحالف عسكري ومالي ضخم هي درس لن ينساه التاريخ.
لقد سطر الشعب اليمني، بتضحياته وبسالة مقاتليه، ملحمة كسرت فيها إرادَة الأحرار جبروت أعتى الإمبراطوريات.
واليوم، فَــإنَّ أية مغامرة جديدة للسعوديّة، بدفع وتخطيط من واشنطن، هي إعادة لنفس السيناريو الفاشل، وعاقبتها معروفة سلفًا.
فالنصر الحقيقي، كما أثبتت التجربة، لا يصنعه المال ولا السلاح الفتاك وحدهما، بل تصنعه الإرادَة القائمة على الإيمان بالحق والعدالة.
واليمن ولبنان، بشعوبهما المقاومة، قادرتان على كتابة فصل جديد من فصول الصمود، حَيثُ تتحطم مرة أُخرى أحلام الهيمنة، وترتفع رايات الحرية والسيادة.
فالعاقبة للمتقين، والنصر من عند الله.
