في مشهد يُجسد الانهيار البطيء لمركز الجنوب اليمني، كشفت قناة “آي 24 نيوز” الدولية في تقرير مطوّل أن مدينة عدن الواقعة تحت سيطرة حكومة المرتزقة الموالية لتحالف العدوان، تعيش اليوم أخطر مرحلة اقتصادية وإنسانية منذ بداية الحرب قبل عقدٍ من الزمن، مؤكدة أن المدينة التي كانت يوماً ما عاصمةً تجارية مزدهرة لشبه الجزيرة العربية تحوّلت إلى مدينة مشلولة اقتصاديًا، منهارة إداريًا، ومهجورة حكوميًا.
وصف التقرير الوضع في عدن بأنه “أزمة صامتة خانقة ومدمرة” تتكشف تفاصيلها يومًا بعد يوم داخل الأسواق والمؤسسات الحكومية، حيث توقفت رواتب القطاع العام لأشهر طويلة، فيما فقدت العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها، وارتفعت أسعار الغذاء والدواء والسكن إلى مستويات غير مسبوقة.
وأكدت القناة أن عدن اليوم تعيش دون دولة ودون اقتصاد، وأن الرواتب التي كانت تمثّل “شريان الحياة” لأي مجتمع أصبحت مجرد ذكرى؛ فالمعلمون، والعسكريون، والأطباء، والموظفون الإداريون لم يتسلموا مستحقاتهم منذ شهور، وحتى عندما تُصرف، تكون بلا قيمة تقريبًا أمام الانهيار المتواصل للريال اليمني.
وأشار التقرير إلى أن كثيرًا من العائلات تعيش على الاقتراض أو بيع الممتلكات أو تقليص وجبات الطعام إلى وجبة واحدة يوميًا، فيما دفعت الأزمة العديد من الأسر إلى حافة الانهيار الكامل. وفي مديرية كريتر تحديدًا، وصف السكان الوضع بأنه “حياة بلا دخل.. موت بطيء وسط صمت حكومي”.
الريال يترنّح والأسعار تشتعل
أوضحت القناة أن الريال اليمني في عدن وصل إلى مستويات لم تُصدَّق، حيث بات التجار يغيّرون الأسعار يوميًا، وأحيانًا مرتين في اليوم، في ظل غياب أي رقابة أو سلطة مالية فاعلة.
وأدى هذا الانهيار إلى شلّ حركة الاستيراد والاستثمار، حيث يخشى التجار من انهيار النظام المصرفي أو اندلاع اضطرابات جديدة، ما جعل المدينة تفقد موقعها التاريخي كبوابةٍ للتجارة في الجنوب.
ولفت التقرير إلى أن الأزمة في عدن تجاوزت حدود الاقتصاد لتتحول إلى كارثة إنسانية صامتة، حيث تتزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال، فيما أكدت الكوادر الطبية أن الأزمة “ليست بسبب الحرب هذه المرة، بل بسبب الجوع والشلل الاقتصادي”.
احتجاجات وغضب شعبي
وتستمر الاحتجاجات اليومية في أحياء عدن، حيث ينزل الموظفون والمتقاعدون إلى الشوارع مطالبين برواتبهم المتأخرة، في حين تتسع حالة الغضب ضد حكومة المرتزقة التي تتجاهل معاناة المواطنين. وقال أحد المحتجين في كريتر:“نقف تحت الشمس نطالب بحقوقنا بينما يعيش المسؤولون في رفاهية.. هذا مُخزٍ، وسيكون مصير هذه الحكومة مزبلة التاريخ إن استمر هذا الوضع.”
وذكر التقرير أن المتقاعدين يقطعون الطرق، والمعلمين يضربون، وأفراد الأمن يهددون بالعصيان، فيما جيلٌ كامل من الشباب لا يرى مستقبلًا في مدينة تفتقر للعمل والخدمات والأمل.
عدن تنهار ببطء.. لا بصوت الانفجار بل بصمت الجوع
واختتمت القناة تقريرها بالتحذير من أن السلام الهشّ الذي يُبقي عدن متماسكة اليوم مهدد بالانهيار الكامل، وأن ما يحدث ليس سقوطًا مفاجئًا بل “سقوط متدرج راتبًا بعد راتب، وأسرة بعد أسرة”.
وأضاف التقرير أن استمرار تجاهل الملف الاقتصادي من قبل قادة المرتزقة وحلفائهم الدوليين سيحوّل المدينة إلى “فصل جديد في مأساة اليمن الطويلة”، مشيرًا إلى أن عدن لم تعد تعاني من الحرب العسكرية، بل من الحرب الاقتصادية التي تخنقها كل يوم بصمتٍ أشد قسوة من القنابل.
