المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    حقيقة “الصراع”!؟

    بكل ما أوتي من مكرٍ وخُبث وتوحش ودمويةٍ، وبكل...

    نماذج تصنع أجيالًا

    من يتأمل مسيرة الرسالات الإلهية يدرك أن المرأة كانت...

    مخططات ترامب.. وسياسة فرض السلام من خلال القوة وخططه المفخخة

    منذ اللحظة التي اندلعت فيها الحرب على قطاع غزّة،...

    حضرموت في قلب العاصفة: كيف يُعاد رسم اليمن تحت هيمنة الاحتلال الجديد؟

    تشهد المحافظات الجنوبية المحتلّة، وفي مقدمتها حضرموت، وضعًا متشابكًا...

    سيناريوهات الصراع في حضرموت

    تشهد محافظة حضرموت شرق اليمن مواجهات وتطورات متسارعة من شأنها إعادة رسم خريطة النفوذ العسكري والسياسي فيها، في ظل تداخل أدوار القوى المحلية والإقليمية والدولية وتضارب أجنداتها ومخاوف من “سودنة حضرموت” مع وجود بعض التشابهات مقارنة بما يجري في السودان، وخصوصاً ما يتعلق بجانب الثروة والنفوذ والارتباطات الخارجية. ليست “سودنة حضرموت” قدراً محتوماً، لكنها واردة إذا استمرت المواجهات وتعددت الميلشيات وتشابكت المشاريع الإقليمية والدولية.

    الفاعلون المحليون وخلفيات الصراع

    تبرز في مشهدية الصراع الدائر في حضرموت أطراف محلية عدة لها توجهات وارتباطات وأجندة متباينة. ومن أبرز تلك الأطراف ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات الذي يسعى إلى بسط السيطرة الأمنية والعسكرية على حضرموت وثرواتها باعتبارها محوراً استراتيجياً لمشروعه السياسي الداعي إلى الانفصال. ولخدمة هذا الهدف، يضع تحركه وسلوكه العسكري في حضرموت ضمن إطار “محاربة الإرهاب”، ويتهم خصومه بالاستيلاء على “بترو مسيلة”.

    أما التوجه الثاني، فيتمثل في ما يسمى”حلف قبائل حضرموت” بقيادة بن حبريش، الذي يتبنى مشروع “الحكم الذاتي الحضرمي”، ويقدم نفسه كحامٍ لثروات المحافظة، وهذا ما يفسر سيطرة الحلف على حقول النفط والغاز في المسيلة بهدف “منع التدخلات الخارجية”، ويرى الحلف أن تحشيد الانتقالي عسكرياً محاولة لفرض أمر واقع، فيما يتهمه خصومه بقطع طرق وإعاقة تصدير النفط.

    وهناك توجه ثالث، وهو الأضعف في معادلة الصراع القائم، ويتمثل في رئيس ما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي” المرتزق رشاد العليمي (المقيم غالباً في الرياض) ورئيس ما يسمى باللجنة الأمنية الذي تم تعيينه بـصفة “محافظ حضرموت”، ويسعى هذا التوجه إلى محاولة احتواء التوتر، وتطبيع الوضع، وإعادة قوات الانتقالي إلى المحافظات التي قدمت منها، ومحاولة احتواء مطالب أبناء حضرموت، وهذا ما برز في تصريحاتهم خلال اليوميين الماضيين.

    هذه التوجهات المتباينة تعكس شرخاً عميقاً بين شركاء المشهد الجنوبي من ناحية، وتنعكس داخل ما يسمى مجلس الثمانية الذي يمثل أطرافاً متصارعة غير متجانسة ومتعددة الولاءات والارتباطات الخارجية، ويعزز ذلك التصريحات المتناقضة بين المرتزقة العليمي والبحسني وعيدروس.

    صراع نفوذ إماراتي _ سعودي: إعادة تموضع أم “سودنة”؟

    صراع الأجندة بين القوى الداخلية قد يقدم جانباً لتفسير ما يجري في حضرموت، لكن التفسير لا يكتمل من دون قراءة البعد الإقليمي وتداخل الأدوار الخارجية التي باتت تضبط إيقاع الجماعات المسلحة المتعددة وتحدد مساحات حركتها ومناوراتها ميدانياً وسياسياً.

    فيما تسعى الإمارات لترسيخ وجودها عبر ما يسمى “النخبة الحضرمية” وميلشيات الانتقالي، بهدف السيطرة على موانئ حضرموت وساحلها وحقولها النفطية، فإن السعودية في المقابل تعزز حضورها عبر إنشاء ألوية جديدة وإعادة تموضع في الوادي والصحراء، لمنع تمدد الخصم الإقليمي والحفاظ على سيطرتها في حضرموت التي تراها بمنزلة بوابة شرقية لها. هذا التباين بين أجندة الإمارات والسعودية ينعكس انقساماً حاداً على ما يسمى بـ”المنطقة العسكرية الأولى” بين نفوذ الرياض وأبو ظبي، ما يعني أن الصراع في حضرموت مواجهة غير مباشرة – تُدار على أرض حضرموت بثرواتها وموقعها الاستراتيجي – بين أدوات الشريكين الخليجيين اللدودين (السعودية والإمارات). وفي ظل هذا المشهد المعقد والمنقسم والمتصارع، تحاول القوى والفعاليات المدنية مقاومة تحويل حضرموت إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية.

    حقيقة المشهد في حضرموت تؤكد أن أكبر المحافظات اليمنية بموقعها وثروتها وإطلالتها على البحر العربي تقف أمام ثلاثة سيناريوهات: أن يتم تقديم مبادرات محلية أو إقليمية لاحتواء الموقف والاتجاه، بالتالي في مسار تهدئة مشروط بالتوافق وتقاسم الكعكة، أو الدخول في مواجهة مفتوحة في ظل استمرار التحشيد المتبادل وتضارب أجندة الفاعلين، أو إعادة التموضع الإقليمي بين السعودية والإمارات على الأرض اليمنية (حضرموت) وإعادة ترتيب أدواتهما المحلية بما يضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، وخصوصاً مع حساسية الحقول النفطية.

    ساحة صراع

    ما يمكن أن نخلص إليه هو أن ما يجري في حضرموت لم يعد مجرد صراع محلي بين قوى قبلية وسياسية وعسكرية وميليشاوية؛ بل أصبحت ساحة صراع إقليمي ودولي تتقاطع فيها مصالح كبرى تُعيد رسم خارطة النفوذ في جنوب اليمن والجزيرة العربية والبحر العربي والقرن الأفريقي.

    المحافظة التي تمتلك أطول سواحل اليمن وأكثر حقوله النفطية إنتاجاً تحولت إلى نقطة ارتكاز حيوية في التوازنات بين الرياض وأبو ظبي من جهة، ومحل اهتمام دولي من جهة أخرى، وخصوصاً أميركا وبريطانيا وشركات النفط العالمية، في ظل ما يشهده العالم من تنافس على الممرات البحرية والطاقة وتأمين خطوط التجارة.

    وفيما يبدو أن القوى المحلية المنقسمة والمتصارعة هي صاحبة القرار في المشهد الظاهر، فإن قراءة أعمق تكشف أن قرار السلم والحرب في حضرموت وغيرها يرتبط بشكل مباشر بالفاعلين الإقليميين والدوليين.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    علي ظافر

    spot_imgspot_img