حذّر الخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور حسان الزين من حالة قلق استراتيجي غير مسبوقة يعيشها صانع القرار في واشنطن، على خلفية تقارير استخباراتية وعسكرية تتحدث عن “احتمال تكرار نموذج القوة البحرية اليمنية في فنزويلا”، بما يحمله من تهديد مباشر لعقيدة التفوق البحري الأميركي في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
الخبير الزين أوضح أن البحرية الأميركية تعتبر أعالي البحار ركيزة أساسية في عقيدتها العسكرية، وأن خسارتها معركة البحر الأحمر أمام قوة يمنية محدودة الإمكانيات كانت بمثابة “جرس إنذار” داخل البنتاغون.
فاليمن – التي لا تملك اقتصادًا ضخمًا ولا قاعدة صناعية متقدمة – تمكنت، بتكتيكات مبتكرة وصواريخ محلية الصنع، من إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب من البحر الأحمر بعد تكبدها خسائر في الطائرات المسيّرة والمعدات البحرية.
وأشار الزين إلى أن الخوف الأميركي الآن هو من انتقال “النموذج اليمني” إلى أمريكا اللاتينية، وتحديدًا إلى فنزويلا، الدولة التي تمتلك موقعًا بحريًا حساسًا على الكاريبي وتطل على طرق الملاحة الحيوية نحو قناة بنما.
وأكد أن مراكز الأبحاث الأميركية أصدرت مؤخرًا تقارير تصف ما جرى في البحر الأحمر بأنه “خسارة استراتيجية كبرى للهيبة البحرية الأميركية”، وأن تكرار المشهد في فنزويلا سيُعد كارثة مضاعفة، إذ يعني أنّ الولايات المتحدة باتت تواجه تحديًا بحريًا في نطاق نفوذها التاريخي.
وفي تعليق لافت، قال الزين إن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان أكثر واقعية من المؤسسة العسكرية حين رفض مواصلة المواجهة مع اليمن، مدركًا أن الاستنزاف في البحر الأحمر لن يجلب نصرًا، بل فضيحة عملياتية ومعنوية للولايات المتحدة.
وأضاف أن اتهام واشنطن لفنزويلا بـ“رعاية إرهاب المخدرات” ليس سوى غطاء سياسي لتبرير الضغوط، بينما القلق الحقيقي يتمحور حول التقارب بين كاراكاس وبكين وموسكو، وإمكانية استنساخ التكتيك اليمني في البحر الكاريبي.
ويرى الخبير أن موقع فنزويلا البحري، الذي يربطها جغرافيًا بمسار “طريق الحرير الصيني” عبر أمريكا الوسطى، يجعلها نقطة حساسة في الصراع الاقتصادي والعسكري القادم.
فالمسافة بين الصين وفنزويلا تبلغ نحو 14 ألف كيلومتر، ويمكن أن تشكل ممرًا استراتيجيًا بديلًا تمرّ عبره الإمدادات الصينية إلى أمريكا اللاتينية، خاصة إذا أعادت بكين تفعيل خط ملاحي يمر عبر قناة بنما أو السواحل الفنزويلية.
وأضاف الزين أن التجارب السابقة لواشنطن في أمريكا اللاتينية، وخصوصًا في كولومبيا، أظهرت فشلًا ذريعًا في تثبيت السيطرة رغم وجود قواعد عسكرية ومراكز استخبارات متقدمة، مما يجعل أي نموذج مقاوم على الطريقة اليمنية في فنزويلا كفيلًا بإعادة رسم خريطة النفوذ البحري الأميركي بالكامل.
الخلاصة
من البحر الأحمر إلى البحر الكاريبي، تتبدل موازين الردع البحرية. اليمنُ فقيرة الموارد استطاعت أن تُرعب الأسطول الأميركي، واليوم تخشى واشنطن أن تتكرّر التجربة في فنزويلا الغنية بالنفط والموقع.
إنه ليس مجرد قلق عابر، بل تحول استراتيجي في إدراك الولايات المتحدة لمفهوم “التفوق البحري”، بعد أن أثبتت التجارب أن الجرأة والتكتيك قد تهزمان التكنولوجيا والكمّ.
واشنطن تخشى من أن تتحوّل فنزويلا إلى “اليمن اللاتينية”… حيث لا تنفع الحاملات، ولا تُخيف الصواريخ.
