في تطور يُعد الأول من نوعه، أقرت وكالة بلومبرغ الأمريكية بأن العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر أجبرت واشنطن على مراجعة مفهوم تفوقها العسكري التقليدي، بعد أن أظهرت الوقائع الميدانية تراجع القدرة الأمريكية على فرض الهيمنة البحرية في واحدة من أكثر الساحات الاستراتيجية حساسية في العالم.
ووفق تقريرٍ نشرته الوكالة، فإن واشنطن فقدت عنصر الردع المطلق الذي طالما اعتمدت عليه في مناطق النزاع البحري، بعدما كشفت المواجهات الأخيرة مع القوات المسلحة اليمنية حدود القوة الأمريكية، خصوصاً في ظل تزايد فعالية الصواريخ والطائرات المسيّرة اليمنية منخفضة الكلفة مقابل المنظومات الدفاعية الأمريكية باهظة الثمن.
وقالت بلومبرغ إن العمليات اليمنية المتكررة ضد السفن العسكرية والتجارية المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي أو الداعمة له خلال حرب غزة، تحولت إلى “عامل حاسم في تغيير قواعد اللعبة”، إذ أثبتت أن القدرات اليمنية باتت قادرة على تعطيل خطوط الإمداد وإرباك أقوى الأساطيل البحرية في العالم.
وأشار التقرير إلى أن هذه المواجهات فضحت الفجوة الهائلة بين كلفة الهجوم وكلفة التصدي، موضحاً أن المسيرة الهجومية اليمنية لا تتجاوز كلفتها بضعة آلاف من الدولارات، بينما تصل كلفة الطائرة الأمريكية من طراز MQ-9 Reaper إلى نحو 30 مليون دولار، فضلًا عن كلفة تشغيلها ودعمها اللوجستي.
وأكدت الوكالة أن هذا التفاوت جعل التفوق التكنولوجي الأمريكي يتحول إلى عبء اقتصادي واستراتيجي في بيئة قتال تعتمد على الاستنزاف الذكي والضربات المفاجئة، مشيرة إلى أن كل محاولة أمريكية لاحتواء التهديد اليمني تُكلّف واشنطن أضعاف ما تنفقه صنعاء لشنّ هجماتها الدقيقة.
“اليمن غيّر معادلة الردع في البحر الأحمر… الطائرات الرخيصة التي تنطلق من صنعاء باتت تُربك حاملات الطائرات الأمريكية وتُسقط أسطورة السيطرة المطلقة على الممرات الدولية.”
وبحسب مراقبين نقلت عنهم بلومبرغ، فإن هذه التطورات تمثل نقطة تحول استراتيجية في ميزان القوى الإقليمي، إذ فرضت صنعاء معادلة جديدة من الردع البحري، وجعلت الولايات المتحدة تواجه واقعًا ميدانيًا لم تعرفه منذ عقود: عدوٌ غير تقليدي يستخدم أدوات بسيطة لكنها فاعلة، تُقوّض معادلات السلاح المتطور وتعيد رسم حدود النفوذ الأمريكي في البحر الأحمر.
