في خضم التحولات التي تضرب المنطقة، يبرز مشهد عربي ملتبس ومؤلم في آن واحد: أنظمة تستنجد بأمريكا طلبًا للحماية، فيما أمريكا هي ذاتها الداعم الأكبر للكيان المحتلّ في حربٍ تُغيّر ملامح الجغرافيا والسياسة والأمن في المنطقة العربية.. مشهد يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف وصل العرب إلى لحظة يطلبون فيها الأمان ممّن يموّل الطرف الذي يهدّد أمنهم؟
تاريخيًّا، اعتمدت دول عربية عديدة على المظلة الأمريكية بوصفها الضامن الأول للاستقرار وموازنة النفوذ الإقليمي.
ومع كُـلّ أزمة جديدة من الخليج إلى الشام، يتكرّر المشهد ذاته: عواصم تتطلع إلى أمريكا؛ بحثًا عن صمام أمان.
لكن المفارقة القاسية تكمن في أن أمريكا نفسها تمنح كَيان الاحتلال الدعم العسكري والسياسي الذي يفاقم التوترات، ويخلق موجات صراع تتجاوز حدود غزة إلى لبنان وسوريا والبحر الأحمر.
هذا التناقض وضع الأنظمة العربية في معادلة مربكة: حمايةٌ تُطلب من قوة تدير خيوط اللعبة، وتتحكم في ميزان الصراع بما يضمن استمراره لا إيقافه.
كَيان الاحتلال ذراع أمريكا في المنطقة
لا يمكن قراءة هذا المشهد دون فهم العلاقة الاستراتيجية العميقة بين أمريكا والكيان المحتلّ.
فالكيان المحتلّ بالنسبة للإدارة الأمريكية ليست مُجَـرّد حليف، بل قاعدة متقدمة للمصالح الأمريكية في قلب المنطقة.
لذلك، حين تتصاعد المواجهات، تُغذّي أمريكا آلة الحرب للكيان المحتلّ سياسيًّا وعسكريًّا؛ فتزداد الحاجة العربية للحماية، وتُعاد دورة الارتهان من جديد.
يصبح الأمن العربي معلقًا بين طرفين: طرف يهدّد، وطرف يدّعي الحماية بينما يدعم المُهدّد.
فراغ استراتيجي ودول بلا مشروع أمني
المشكلة ليست في طلب الحماية بحد ذاته، بل في غياب مشروع عربي موحّد يقوم على بناء قوة مستقلة وقادرة على حماية مصالح شعوبها دون وسطاء.
معظم الدول العربية تواجه اليوم تحديات داخلية وخارجية تجعلها أكثر اعتمادا على القوى الكبرى، بينما تغيب الإرادَة الإقليمية لصياغة منظومة دفاعية مشتركة أَو موقف سياسي موحّد.
وفي هذا الفراغ، يصبح الأمريكي هو اللاعب الوحيد القادر على رسم قواعد اللعبة وتعديلها كلما شاء.
خاتمة: متى يتغير الاتّجاه؟
الصورة أكثر من مُجَـرّد نقد لسياسة أَو موقف؛ إنها إشارة إلى خلل عميق في معادلة القوة العربية.
لا يمكن لأمة أن تستمد أمنها من دولة تدعم خصمها.
ولا يمكن لمن يبحث عن حماية أن يتحرّر ما لم يمتلك مشروعه السياسي والعسكري والاقتصادي المستقل.
الواقع يفرض حقيقة واحدة:
الأمن المستعار لا يدوم، والاعتماد على من يصنع التهديد لا يمكن أن يوفّر الأمان.
وهذه هي لحظة السؤال العربي الأكبر:
هل تستمر المنطقة أسيرة لحماية الخارج، أم تبدأ مرحلة بناء قوة قادرة على حماية نفسها وصناعة مستقبلها؟
