تشهد الهضبة النفطية في حضرموت شرقي اليمن تطورات ميدانية غير مسبوقة، بعد أن صعّدت السعودية من تحركاتها العسكرية عبر تحليق مكثف لمروحياتها وانتشار فصائلها المسماة “درع الوطن”، في وقت تواصل فيه الإمارات انسحاباً غامضاً لفصائلها من المنطقة، في مشهد يعكس صراعاً خفياً بين مرتزقة جناحي تحالف العدوان لإعادة اقتسام النفوذ في اليمن تحت لافتة “إعادة التموضع”، بينما جوهره الحقيقي هو مشروع لتقسيم البلاد وتفتيت وحدتها الجغرافية والسيادية.
المشاهد القادمة من حضرموت تكشف بوضوح حركة ميدانية سعودية مدروسة لإحكام السيطرة على منابع النفط، حيث ظهرت المروحيات السعودية تحلق على علو منخفض فوق مديريات الوادي والصحراء دون أي اعتراض من الفصائل الإماراتية، فيما شرعت قوات “درع الوطن” في الانتشار بالعبر والوديعة حتى تخوم سيئون، في خطوة وُصفت بأنها بداية “الاستحواذ الكامل” على الهضبة النفطية.
ويتزامن ذلك مع عودة الوفد السعودي بقيادة محمد القحطاني بعد طرده سابقاً، في مشهد يعكس رضوخاً إماراتياً مذلاً بعد أن كانت أدواتها منعت الرياض من دخول حضرموت وأغلقت مطاراتها.
وفي المقابل، بدأت ميليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، أداة الإمارات في الجنوب، ترتيب انسحابه من الهضبة النفطية بعد أن فشل في فرض أمر واقع يخدم مشروع الانفصال. وتؤكد مصادر قبلية أن المجلس عقد اجتماعات مكثفة مع شيوخ ووجهاء في الوادي والصحراء لشراء الولاءات وضمان بقاء موطئ قدم بعد انسحابه.
في حين تستعد الرياض لعقد لقاء رسمي في مديرية الخشعة لتسليم السلطة إلى محافظها المعيَّن من قبلها، في مشهد يعكس انكساراً سياسياً كاملاً للمجلس الانتقالي الذي تحوّل إلى مجرد ورقة بيد الرياض وأبوظبي تتبادلان استخدامها وفق الحاجة.
لكن الخيانة لم تتوقف عند حدود حضرموت، فالمجلس الانتقالي، وبتوجيه من أبوظبي، سلّم محافظة المهرة عملياً إلى تيار انفصالي جديد يقوده عبد الله بن عفرار، المنادي بانفصال سقطرى والمهرة عن حضرموت، وهو ما يفضح حقيقة الدور الإماراتي القائم على تفكيك الجنوب إلى دويلات متناثرة يمكن التحكم بها لاحقاً عبر أدوات اقتصادية وأمنية تابعة لها. وبذلك تضع الإمارات اللمسات الأخيرة على مشروع “الجنوب المقسَّم” مقابل أن تُبقي للسعودية السيطرة على حقول النفط والموانئ.
وفي خضم هذا الصراع، فتحت السعودية قناة جديدة مع طهران عبر وساطة إيرانية صينية مشتركة، مطالبةً باتفاق “سلام دائم” مع صنعاء، تزامناً مع تنازلات سعودية خطيرة شملت إسقاط ما يسمى بالمرجعيات الثلاث وإقصاء حزب الإصلاح، في خطوة تكشف أن الرياض لم تعد تسعى لإنهاء الحرب بقدر ما تسعى لإعادة تموضع يضمن مصالحها النفطية بعد انهيار مشروعها العسكري والسياسي في اليمن.
أما الإمارات، فبدأت في الوقت ذاته تنفيذ اختراق ميداني لمأرب عبر طائرات مسيّرة واستطلاع جوي مكثف فوق معاقل الإصلاح، مستغلة حالة الفوضى التي خلّفها الانسحاب السعودي. هذه التحركات تكشف بجلاء أن التحالف لم يكن يوماً مشروعاً لإعادة “الشرعية” كما ادّعى، بل كان خطة استعمارية مرسومة بعناية لتمزيق اليمن ونهب موارده وإغراقه في صراعات داخلية لا تنتهي.
إن انسحاب الإمارات من الهضبة النفطية، الذي يُسوَّق كتكتيك سياسي، ليس سوى صفقة مشبوهة مع السعودية لتقاسم النفوذ الإقليمي والاقتصادي، مقابل تنازلات متبادلة في ملفات أخرى، من بينها السودان وملفات الطاقة في البحر الأحمر والقرن الإفريقي. هذه الصفقات تُدار في الغرف المغلقة، بينما تُدفع دماء اليمنيين ثمناً لمعادلات النفط والموانئ، ومشاريع النفوذ التي تتخفى خلف شعارات “الإعمار” و“التحالف”.
ما يجري اليوم في حضرموت والمهرة ليس مجرد انتشار ميداني أو إعادة انتشار لقوات أجنبية، بل هو حلقة من حلقات مشروع استعماري قذر يستهدف سيادة اليمن ووحدته وهويته. السعودية والإمارات – اللتان دخلتا الحرب بذريعة “استعادة الشرعية” – تعملان اليوم على تصفية هذه الشرعية ذاتها، وابتلاع ما تبقى من البلاد عبر أدوات مرتزقة تتبدل أسماؤهم وتتعدد مسمياتهم، من درع الوطن إلى الانتقالي إلى السلفيين، لكن هدفهم واحد: تحويل اليمن إلى كانتونات ممزقة خاضعة لنفوذ النفط والمال الخليجي.
