الصهاينة أصغر من أن ينفذوا هجوماً واحداً لولا العملاء والخونة في عالمنا العربي، وفي اليمن ظهر عملاء الصهيونية على حقيقتهم باصطفافهم العلني إلى جانب أدوات الصهيونية السعودية والإماراتية، ومن رضي بآل سعود أو آل نهيان فقد قبل بالكيان الإجرامي ومشروعه التدميري في المنطقة، وعلامة التطبيع التناقض بين الشعارات والوقائع على الأرض.
ومنذ اليوم لتأسيس الكيان لم يكن الحديث عن الصهيونية محصورًا في حدود الكيان المحتل أو في طبيعة سلوكه الإجرامي وحده، بل كان مرتبطًا بشبكة واسعة من الحلفاء والوكلاء الذين يؤدّون الدور الأخطر: تنفيذ المشروع من داخل المنطقة وبأدوات عربية. فالتجربة التاريخية تثبت أن “إسرائيل”، رغم تفوقها العسكري والدعم الغربي غير المحدود، لم تكن يومًا قادرة على فرض مشروعها دون غطاء إقليمي، ودون أن تجد من يمهّد لها الطريق سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا.
في اليمن، تتجلّى هذه الحقيقة بوضوح. فالقوى التي اصطفت منذ بداية العدوان إلى جانب الرياض وأبو ظبي لم تكن تتحرك بدافع “استعادة الشرعية” أو “إنقاذ الدولة” كما تزعم، بل ضمن مشروع إقليمي أوسع تقوده السعودية والإمارات، يرتكز في جوهره على إعادة تشكيل المنطقة بما يتوافق مع المصالح الإسرائيلية. وهذا الاصطفاف كان تعبيرًا عن اندماج كامل في معسكر التطبيع، حتى وإن رُفعت في العلن شعارات زائفة عن السيادة أو العروبة.
لقد كشفت الوقائع أن العلاقة بين الرياض وأبو ظبي والكيان الإسرائيلي لم تعد سرّية أو تكتيكية، وقد تحوّلت إلى شراكة استراتيجية قائمة على خدمة المصالح الصهيونية: تفكيك الدول، ضرب قوى المقاومة، وتحويل الصراعات الداخلية إلى أدوات استنزاف طويلة الأمد. ومن يقبل بأن يكون جنديًا أو واجهة سياسية لهذا المحور، فإنه يقبل عمليًا بأن يكون جزءًا من المشروع الصهيوني، بغضّ النظر عن محاولاته التجميلية أو لغته الدعائية.
وعليه، فإن القوى اليمنية المتحالفة مع السعودية والإمارات لا يمكن فصلها عن هذا السياق. فمواقفها من فلسطين، وصمتها المطبق تجاه جرائم الاحتلال، وتبنّيها للرواية الغربية عن “التهديد الإيراني” بدل توصيف العدو الحقيقي، كلها مؤشرات تكشف طبيعة التموضع الحقيقي لهذه الأطراف. فالتناقض الصارخ بين الخطاب العاطفي حول القدس في المناسبات، والممارسة السياسية التي تخدم أمن الكيان الإسرائيلي، هو السمة الأوضح لما يُسمّى اليوم “التطبيع غير المعلن”.
إن أخطر ما في هذه المرحلة ليس وجود أعداء معلنين، بل اتساع دائرة الحلفاء المحليين الذين يقدّمون أنفسهم كقوى وطنية، بينما هم في الحقيقة حرّاس لمصالح الصهيونية، وحلقة وصل بين المشروع الصهيوني والواقع اليمني. فـ”إسرائيل” لا تحتاج إلى إنزال عسكري في اليمن ما دام هناك من يتكفّل بإضعاف البلد، وتفكيك مجتمعه، وتجريده من بوصلته السياسية والأخلاقية.
ورأينا كيف أن شعاراتهم عن الوطن والوطنية والجمهورية وغيرها تلاشت أمام انتهاكات المجلس الانتقالي بكل الثوابت وحتى بالانتماء إلى اليمن، واعتمدوا جميعاً المصطلحات الثقافية التي جاء بها الاحتلال البريطاني، وهكذا حال كل من يرفض الحق وينخرط في الباطل بدوافع الأحقاد والمصالح، وستكون نهايته على يد المشروع الإجرامي الذي جاء به، كما رأينا نهاية الإصلاح في عدن وغيرها من محافظات الجنوب، وكما سنرى نهاية خونة الشمال في الساحل الغربي، فمناطقية عيدروس وغيره من الانفصاليين لن تترك لهم شأنهم وسيأتي الدور عليهم عند الانتهاء من خدماتهم.
وخلاصة القول، أن معركة اليمن لم تعد معزولة عن معركة المنطقة ككل. ومن يقف اليوم في خندق الرياض وأبو ظبي، فهو يقف تلقائيًا في الخندق ذاته الذي يحمي الكيان الإسرائيلي ويؤمّن امتداد نفوذه. أما محاولات الفصل بين هذه التحالفات، فلم تعد تقنع أحدًا بعد أن كشفت الوقائع أن الطريق إلى تل أبيب يمرّ، سياسيًا وأمنيًا، عبر عواصم عربية وأدوات محلية قبل أن يمر عبر البحر أو الجو.
