في مفارقة هي الأغرب في عالم السياسة يحتفل الجولاني بمرور عام على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد في مشهد يبدو وكأنه قادم من عالم مقلوب يُكافأ فيه من ينتصر لأمريكا وإسرائيل ومشارعهما ويُعاقَب فيه دوليًا من يعبر عن إرادة شعبه ويحمل همومه ومطالبه وطموحه.
تحوّل الجولاني من مطارد إلى معترف به دوليًا
الجولاني الذي كان إلى العام الماضي إرهابيًا مُطارَدًا أمريكيًا وتعرض الخزانة الأمريكية ملايين الدولارات لمن يظفر به أو يدلي بمعلومة عنه، بات اليوم رئيسًا متوجًا على رؤوس السوريين، تعترف به أمريكا ويحتفل وجماعته بمعية أمريكيين بما يرونه انتصارًا على نظام كان جرمه الأعظم التقارب مع محور القدس، واحتضان مقاومة فلسطين.
انقلاب المفاهيم في السياسة الأمريكية والدولية
في عالم السياسة الأمريكية والدولية تنقلب المفاهيم فيصبح التمرد المسلح ثورة وإن كان على رئيس منتخب، ويصبح الإرهابي ثائرًا ورئيسًا، ويتحول الفراغ نظامًا، والذل دولة، ويحصل الجولاني المصنف بالأمس على اعتراف أمريكي غربي ودولي كامل بطريقة سحرية لا يعرف العالم إلى اليوم كيف حصلت، المهم بنظر صانع القرار الأمريكي أن الشرعية اليوم تدور في الفلك الأمريكي بعكس شرعية الأمس.
تدفّق الاعترافات والزيارات ورفع العقوبات
لم يتوقف الأمر عند حدود الاعتراف، فقد توالت وفود المباركة أمريكيًا وأوروبيًا إلى دمشق وكأنها عاصمة ديمقراطية ناشئة، وتسابقت المحافل الدولية إلى استقبال الجولاني وكأنه المخلص، ثم جاءت خطوة رفع العقوبات وفتحت أمريكا أبواب البيت الأبيض لتؤكد أن السياسة الدولية لا تدار بالمعايير بل بالمزاج والمصلحة.
قاعدة “من ليس معنا فهو ضدنا”
من ليس معنا فهو ضدنا مقولة أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش إبان غزو العراق وتُطبَّق حرفيًا في السياسة الخارجية الأمريكية.
اليمن: ثورة شعب تُصنَّف انقلابًا
لكن عند الانتقال إلى اليمن تنقلب الصورة رأسًا على عقب: ثورة شعبية في العام 2014 في الدراسة الخارجية ودمية في شكل رئيس صعد بانتخاب من دون منافسين أو حتى منافس ضعيف ثم استقال مرة أو مرتين، ومع ذلك لم يُنظر إلى الثورة الشعبية اليمنية إلا بوصفها انقلابًا على الشرعية، ومَدًّا إيرانيًا، وتهديدًا للأمن والسلم، وخرقًا للنظام الدولي المقدس، وليس تعبيرًا عن إرادة شعب.
فتم سحب السفارات ورفض تمثيل يمن الثورة في سفارات اليمن حول العالم، في الجامعات العربية لا مقعد، في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا اعتراف، والأبعد من ذلك عدوان وحصار وعقوبات تحت عناوين زائفة وبراقة وعبارات دبلوماسية قد تبدو ركيكة: السعي للشرعية وإجراءات دعم الاستقرار، فلا اليمن استقر ولا شرعية اليوم والأمس بقيت.
البحث عن شرعية ضائعة
فالعليمي على إثر هادي يبحث عن الشرعية الضائعة في زحام الأدوار الإقليمية والدولية المتصارعة، وبين مشهدية سوريا الجولاني ويمن الثورة تسقط السياسة الدولية ويتضح أن مؤسسات الشرعية الدولية ليست أكثر من ملحقيات بالخارجية الأمريكية، أما الشرعية الزائفة فتهبها واشنطن لمن تشاء وتنزعها عمّن تشاء.
خاتمة: شرعية الشعوب هي الباقية
وفي عالم متخم بالنفاق، يبقى اليمن متمسكًا بخياراته، مؤمنًا بأن خيارات الشعوب هي المرجع، وشرعية أمريكا ليست الفيصل، بل زَبَد يذهب جفاء يتغير وفق الهوى والسياسة والجغرافيا، ومن يملك بطاقة الدخول إلى نادي المقبولين أمريكيًا وإسرائيليًا.
