ذات صلة

الأكثر مشاهدة

المناطقية في الجنوب.. سلاح لا يفرّق بين حلفاء أو خصوم

المناطقية مرض أخلاقي يتعارض مع الدين الإسلامي بكل قيمه...

التسليم للقيادة.. بوابةُ النجاة

إن مسيرة الأمم عبر التاريخ تثبت أن أعظم النجاحات...

اليمن: تموضع إماراتي وتراجع سعودي أم تنسيق مشترك؟

ما يجري جنوب وشرق اليمن ليس مجرد أحداث متفرقة...

ذكرى هزيمة الإرهاب.. معركةٌ انقضت وحربٌ لم تنتهِ بعد!

ي الذكرى الثامنة لانبثاق فجر النصر على العصابات الإجرامية...

قيثارة السماء في أرض البشر

في صمت الأبدية، وحين تتنفّس الأرواح عبير القداسة، تلوحُ في الأفق روحٌ ليست كباقي الأرواح.. هي “الكوثر” الذي تفجَّر من صخرة الوجود العطشى، ليرويَ ظمأ الأجيال إلى الطهر.. ليست امرأةً خطّها القلمُ في سِفْر الزوال، بل هي “فاطمة”، الاسم الذي فطمته السماءُ عن النقص، وفطمت به المحبين عن النار؛ فكانت جسرًا من نور ممدودًا بين الخالق والمخلوق.

يا سائلةَ الغيب عن السر المكنون، تأملي تلك “الزهرة” التي نبتت في حقل النبوة.

لم تكن مُجَـرّد ابنة تدرج في فناء الدار، بل كانت “أُمَّ أبيها”.

هل رأيتم نهرًا يعودُ ليحتضنَ النبع؟ تلك هي فاطمة.

كانت القلب الصغير الذي وسع همومَ الرسالة الكبرى، واليدَ الحانية التي مسحت الغبار والدماء عن وجه النبي حين عبس في وجهه طغاة الأرض.

كانت “بِضْعَةً” منه، لا ينبض عرقٌ فيها إلا وهو صدى لنبضات السماء، يغضب اللهُ لغضبها، وترقص ملائكة الرضا لرضاها.

تعالوا نلج محرابَ بيتها.. ذلك الكوخ الصغير الذي عانَقَ السماء.

لا تبحثوا فيه عن حريرِ الملوك ولا عن تيجان القياصرة.

هناك، ستجدون “الرحى” التي دارت بأكفٍّ ناعمة حتى “مَجِلَتْ” وتورَّمت.

إنها قيثارةُ العمل المقدَّس، تعزفُ عليها سيدةَ النساء لحنَ الكفاح.

انظروا إلى فراشِها، “جلد كبش” بسيط، لكنه كان عرشًا للحُب والرضا، عليه تغفو عيونٌ رأت ما لم ترَه العيون، وعنه يصعد دعاء يخترق الحجب.

كانت تطحن الشعير بيد، وتهز مهد “الحسين” بيد، وترتل آياتِ الله بقلبٍ لا يغفو؛ فجمعت بين أطراف المجد: مجد العِبادة، ومجد الأمومة، ومجد الكدح في سبيل الله.

وفي هدأة الليل، حين ترقد العيون، كانت “البتول” تتحوَّل إلى عمود من نور.

تقفُ في محرابِها حتى تتورَّمُ قدماها، لا لتطلب قصورًا في الجنة، بل لتهمسَ في أذن الليل بأسماء الجيران والمؤمنين.. “الجار ثم الدار”..

فلسفة حب كوني لا يدركها إلا من انصهرت “أناه” في بوتقة العطاء.

كانت تؤثر المسكينَ واليتيمَ والأسيرَ على قرص شعيرها، لتُطعِمَ الله في أفواههم، وتشتريَ رضوانَه بجوع أحشائها.

وحين أزفت ساعةُ الحقيقة، وغاب شمسُ النبوة، وقفت فاطمةُ كالطود الشامخ في وجه الريح.

لم تكن تلك الوديعة ضعيفة؛ فالحقُّ لا يعرف الضعف.

خرجت بخمارها الذي التفّ كرايةِ نصر، وأطلقت كلماتُها كالحمم، لا لتطلُبَ “فَدَكًا” كتراب، بل لتنتزعَ “الحَقَّ” كقيمة.

حذّرت، وأنذرت، وبكت على أُمَّـة رأتها تنكصُ على أعقابها بعدما رأت النور.

كانت صرختها احتجاجَ الروح على المادة، وثورة الوفاء ضد النسيان.

ثم.. آثرت الرحيل.

كالزهرة التي أبت أن تتنفَّس هواءً غير هواء الربيع، ذبلت سريعًا.

أوصت أن يوارَى جسدُها الطاهر في غلس الليل، وأن يُخفَى قبرُها عن العيون.

لماذا يا ابنةَ النور؟ أرادت أن يكونَ قبرُها “سِرًّا” أبديًّا، وسؤالًا محفورًا في جبين التاريخ، وعلامة استفهام تقرعُ ضمائرَ الأجيال.

ماتت فاطمة، ولكن عطرها ما زال يفوحُ في كُـلّ زاوية من زوايا الوجود.

هي “السِّرُّ المستودع”، وهي الكلمةُ الطيبة التي أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء.

تلك هي فاطمة.. ليست قصةً تُكتب، بل هي “روح” تُعاش.

هي دمعةُ الخشوع في عين القانِتين، وهي قطرة العَرَق في جبين الكادحين، وهي الصرخةُ المدوية في وجه الظالمين.

السلامُ على مَن فطم الله قلوبَ العارفين بحبها، والسلامُ على النور الذي لا ينطفئ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زينب الشهاري

spot_imgspot_img