ذات صلة

الأكثر مشاهدة

قاعدة النصر الإلهي ووعي الأُمَّــة

من أهم الثوابت التي يستند إليها المؤمنون في مسارهم...

“ذا ناشيونال”: واشنطن تبتزّ بيروت.. نزع سلاح “حزب الله” شرط لاستمرار دعم لبنان

كشفت صحيفة "ذا ناشيونال" (The National)، الأربعاء، أن الولايات...

الخطة الأمريكية لغزة.. بما تشتهي أطماع الاحتلال

تتجاوز الخطة الأمريكية المقترحة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب...

المناطقية في الجنوب.. سلاح لا يفرّق بين حلفاء أو خصوم

المناطقية مرض أخلاقي يتعارض مع الدين الإسلامي بكل قيمه...

التسليم للقيادة.. بوابةُ النجاة

إن مسيرة الأمم عبر التاريخ تثبت أن أعظم النجاحات...

ورد الآن.. “هضبة النار” تشعل جبهة صراع جديدة عقب “اتفاق غامض” أسقط “أهداف الإنتقالي” و”عزل الإصلاح” رسميا وتوكل ترد بالتصعيد(التفاصيل)

تشهد الساحة اليمنية في هذه الأيام واحدة من أعقد مراحل التحول العسكري والسياسي، بعد أن أعلنت السعودية والإمارات عن اتفاق غامض بشأن إعادة ترتيب المشهد شرق اليمن، بالتزامن مع انسحاب فصائل المجلس الانتقالي من الهضبة النفطية في حضرموت والمهرة، في خطوة فُسّرت بأنها بداية انهيار التحالف الميداني بين الطرفين وتحول الصراع إلى سباق نفوذ مكتوم.

ففي الوقت الذي كشف فيه محمد عبيد القحطاني، رئيس اللجنة السعودية في حضرموت، عن “تفاهم مشترك” مع الإمارات لحل الأزمة سياسيًا، كانت المروحيات السعودية تحلّق فوق مناطق النفط وتُشرف على عمليات إخلاء واسعة للفصائل الإماراتية، في مقابل تحركات ميدانية إماراتية لرفع أعلام الانفصال على السواحل الجنوبية في رسالة تحدٍ واضحة للرياض.

بالتزامن، تصاعد التوتر داخل الهضبة النفطية بعد أن عادت الفصائل الإماراتية لمحاصرة اللجنة السعودية في الخشعة، حيث احتشد العشرات من عناصر الانتقالي بلباس مدني أمام مقر إقامة القحطاني، رافعين صور الزبيدي والمحرمي، ومرددين شعارات ترفض الانسحاب من حضرموت.

وتؤكد مصادر ميدانية أن السعودية أبلغت اللجنة تعليمات صارمة بضرورة “إنهاء الوجود العسكري للانتقالي” من كامل الشرق، في حين تسعى أبوظبي لفرض واقع جديد من تقاسم النفوذ عبر ترتيبات ميدانية تشمل مطار الغيضة ومنشآت النفط بوادي حضرموت.

وتشير المعلومات إلى أن ما يجري ليس اتفاقًا حقيقيًا، بل هدنة سياسية فوق بركان من التناقضات بين الرياض وأبوظبي، بعد أن فشلت الأخيرة في تثبيت سيطرتها الكاملة على الشرق وتراجعت تحت الضغط العسكري السعودي والدولي.

في المقابل، تلقت ميليشيا الانتقالي صفعة سياسية قاسية من الرياض بعد أن أعلنت الأخيرة بشكل رسمي أنها لن تعترف بالمجلس كممثل وحيد للجنوب. فقد أكد المسؤول السعودي البارز عبدالله آل هتيلة أن السعودية ستُشرك جميع القوى الجنوبية في أي تسوية قادمة، وهو ما أنهى فعليًا وهم “التمثيل الحصري” الذي كان الانتقالي يروّج له منذ تأسيسه عام 2016.

وبات واضحًا أن الانتقالي فقد غطاءه السياسي الإقليمي، وأن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة هيكلة شاملة للمجلس الرئاسي، في ظل مساعٍ سعودية لتقليص نفوذ الإمارات ووكلائها في الجنوب.

وفي لحظة تُجسد انكسار الزخم الشعبي للانتقالي، كشفت صور جوية حديثة من عدن عن فشل ذريع لما سماه المجلس “الاستفتاء الشعبي” الذي نظمته ميليشياته في ساحة العروض.

الصور التي التقطت من الجو أظهرت ساحة شبه خالية رغم حملة دعائية ضخمة وتمويل مفتوح استمر ثلاثة أيام، ما فضح الانهيار الشعبي في قاعدة الدعم للانفصال. وبينما حاول الإعلام الإماراتي تضليل الرأي العام عبر صور قريبة تُظهر حشودًا وهمية، جاءت اللقطات الجوية لتكشف الحقيقة: الساحة بدت خاوية إلا من عشرات المستجلبين من خارج عدن.

ويرى مراقبون أن هذا الفشل يعكس تآكل شرعية الانتقالي وانفضاض الشارع العدني عنه، في ظل تدهور الخدمات وانقطاع الغاز لأكثر من أسبوع، وانهيار الوضع المعيشي حتى حدود الانفجار الشعبي. وأبناء عدن، الذين يواجهون انهيار الخدمات وانعدام الأمن، اختاروا تجاهل دعوات الانتقالي وفضّلوا البقاء في منازلهم بدل المشاركة في فعالية لا تعبّر عنهم.

وبهذا المشهد، انتهى “الاستفتاء الشعبي” إلى فضيحة سياسية موثقة بالصور، أكدت أن زمن الزخم الانفصالي في الجنوب قد ولّى.

وفي مشهد متناقض، خرج المرتزق عيدروس الزبيدي في خطابٍ متلفز، متجاهلًا الهزيمة الميدانية والضغوط السعودية، متباهيًا بما وصفه بـ”الانتصارات العظيمة” في حضرموت والمهرة. وخلال الاجتماع الذي عقده في عدن مع قيادات المجلس، أعلن الزبيدي أن المرحلة المقبلة ستكون “مرحلة بناء مؤسسات دولة الجنوب العربي”، مدّعيًا امتلاكه “تفويضًا شعبيًا”، رغم انكشاف زيف هذا الادعاء بالصورة الجوية الأخيرة.

وفي مفارقة لافتة، ورغم التوتر المتصاعد مع الرياض، وجّه الزبيدي شكره للسعودية على دعمها السياسي والعسكري، في محاولة يائسة لترميم العلاقة وتخفيف وطأة الضغوط المفروضة عليه. وأكدت مصادر مقربة أن خطابه جاء كمحاولة لامتصاص غضب أنصاره بعد الاتفاق السعودي–الإماراتي الذي قضى عمليًا بتجريده من أهم مكاسبه في الشرق.

ويجمع المراقبون على أن ما يجري اليوم في الجنوب والشرق هو تحول استراتيجي عميق، حيث دخل التحالف السعودي–الإماراتي مرحلة التآكل الداخلي والصراع المفتوح على الثروة والنفوذ. وتسعى الرياض لتثبيت قبضتها على منابع النفط وملف التسوية السياسية، فيما تحاول أبوظبي الاحتفاظ بموقعها في البحر والموانئ عبر الانتقالي الذي يترنح سياسيًا وشعبيًا.

أما ميدانيًا، فإن الانقسام داخل الفصائل والاغتيالات المتكررة والشلل الأمني كلها مؤشرات على أن الجنوب بات يعيش مرحلة ما قبل الانفجار الكبير، وأن ما يُسمى بـ”التحالف العربي” لم يعد سوى تحالفٍ متشظٍ تتنازعه الولاءات والمصالح.

هذا التحول يأتي بعد أسابيع من التصعيد الإماراتي في تلك المحافظات، ما أثار تساؤلات حول طبيعة الصفقة وحدود النفوذ الجديدة في أهم مناطق اليمن الاستراتيجية.

اليمن اليوم أمام تحول استراتيجي غير مسبوق، حيث انكشفت الأقنعة وسقطت شعارات “التحرير والاستقلال” أمام واقع السيطرة الأجنبية والصراع الخليجي. أما “الانتقالي” الذي كان يرفع راية الانفصال، فقد تحوّل إلى أداة مكسورة في يد الإمارات، تُستخدم حينًا وتُرمى حينًا آخر، بينما الشارع الجنوبي قال كلمته بوضوح: لا تفويض.. ولا حشود.. ولا شرعية للخونة.

spot_imgspot_img