ذات صلة

الأكثر مشاهدة

قاعدة النصر الإلهي ووعي الأُمَّــة

من أهم الثوابت التي يستند إليها المؤمنون في مسارهم...

“ذا ناشيونال”: واشنطن تبتزّ بيروت.. نزع سلاح “حزب الله” شرط لاستمرار دعم لبنان

كشفت صحيفة "ذا ناشيونال" (The National)، الأربعاء، أن الولايات...

الخطة الأمريكية لغزة.. بما تشتهي أطماع الاحتلال

تتجاوز الخطة الأمريكية المقترحة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب...

المناطقية في الجنوب.. سلاح لا يفرّق بين حلفاء أو خصوم

المناطقية مرض أخلاقي يتعارض مع الدين الإسلامي بكل قيمه...

التسليم للقيادة.. بوابةُ النجاة

إن مسيرة الأمم عبر التاريخ تثبت أن أعظم النجاحات...

التسليم للقيادة.. بوابةُ النجاة

إن مسيرة الأمم عبر التاريخ تثبت أن أعظم النجاحات لم تولد من الفوضى، ولا من تعدد الاجتهادات المتضاربة، ولا من الأصوات التي تتجاهل موقع القيادة ومسؤوليتها.. فالطريق الذي يقود إلى النجاة وإلى تحوّل المحنة إلى قوة، يبدأ من لحظة إدراك معنى التسليم للقيادة الربانية، التي ترتكز على منهج الله وهديه.

لذلك جاء التوجيهُ الإلهي قاطعًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. فهذا هو الميزان الذي يصونُ الأُمَّــةَ من الضياع، ويردّها إلى الحق والصواب كلما اضطربت السبل وتشابكت الأحداث.

وليس في القرآن الكريم حكم يُذكَر عبثًا، بل هو كتاب التربية قبل أن يكون كتاب الشريعة، يعرض لنا نماذج من الماضي لنتعلم، ويحذّرنا من أخطاء الأمم السابقة كي لا نقع فيها.

ومن هذه النماذج قصة بني (إسرائيل) عندما دعاهم نبي الله موسى عليه السلام إلى دخول الأرض المقدسة: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض الْـمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}.

كان الطريق ممهّدًا، وكانت البشارة واضحة، ومع ذلك ارتدّوا على أدبارهم وقالوا: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}، ثم تمادوا حتى قالوا تلك الكلمة الخبيثة: {فَاذْهَبْ أنت وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.

فكانت العاقبة التيه والحرمان منها أربعين سنة. إنها نتيجة العصيان حين يختار الناس أصواتهم على صوت القيادة الربانية.

وفي التاريخ الإسلامي درس يكاد يكون الأقرب لفهم أثر الطاعة والخضوع الواعي، رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- أمر الرماة في أحد ألا يبارحوا مواقعهم مطلقًا.

المسألة كانت أمرًا صادرًا عن قائد مؤيَّد بالوحي.

لكن الاجتهاد، وشهوة الغنيمة، وانخراط الرأي الشخصي بدل الطاعة الدقيقة… كُـلّ ذلك قلب النصر إلى هزيمة، واستُشهد سبعون مجاهدًا وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة، وجُرح رسول الله نفسه. ولولا رحمة الله ورعايته برسوله والمسلمين، لدخلت قريش إلى المدينة وكانت كارثة لا توصف.

هذه الحادثة وحدها تكفي لتجعل الأُمَّــة تدرك أن مخالفة القيادة تكون ثغرة تهدم كُـلّ شيء.

وقريب من ذلك كان البعض من جيش الإمام علي عليه السلام يعيش حالة من التردّد والعناد، لا يُسلِّمون له في أحلك الظروف، ولا يستجيبون حين يدعوهم إلى القتال.

وقد شكا حالهم بعبارات تهزّ القلب وتفضح طبيعة النفوس حين يضعف إيمانها، فقال عليه السلام:

«فَقُبْحًا لَكُمْ وَتَرَحًا حِينَ صِرْتُمْ غَرَضًا يُرْمَى، يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللهُ وَتَرْضَوْنَ.

فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّـام الْحَرِّ قُلْتُمْ: هَذِهِ حَمَّارَّةُ الْقَيْظِ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ.

وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ: هَذِهِ صَبَّارَّةُ الْقُرِّ، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ.

كُلُّ هَذَا فِرَارًا مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ.

فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ -وَاللهِ- مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ…».

كان ذلك التردّد بابًا تسرّب منه الباطل، فاشتدّ ساعده، وامتدّ ظلمه على رقاب الأُمَّــة، حتى انتهى الأمر بأن ارتقى الإمام علي عليه السلام شهيدًا، مظلومًا بين أمته، في لحظة كانت تحتاج فيها الأُمَّــة إلى طاعته أكثر من أي وقت آخر.

هذه الدروس نراها تتكرّر بشكل حي أمام أعيننا في واقع الأُمَّــة اليوم.

في اليمن، حين زحف تحالف العدوان نحو الحديدة، كان الخطر كَبيرًا، وكانت المدينة مقبلة على سيناريو كارثي.

لكن عندما دعا السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الشعب للنزول إلى المدينة، صنعت الاستجابة الشعبيّة الواسعة تحولًا مفصليًّا؛ توقف الزحف، وطلب العدوّ الهدنة، وتبدلت المعادلة.

ثمرة التسليم كانت النجاة.

ومع تطور الأحداث اليوم، تظهر أصوات تتساءل: لماذا لم يُفعل كذا؟ ولماذا لا تضرب القيادة هنا أَو تتحَرّك هناك؟

وكأنها أعلم بموازين القوى، أَو أدرى بمقتضيات المعركة، أَو أقرب إلى تفاصيل الحسابات الاستراتيجية من القيادة نفسها.

هذا الكلام ناتج عن قلة وعي وضيق نظر؛ لأن من يجهل ألف معلومة من خلف الكواليس لا يصحّ أن يناقش قرارًا مبنيًّا على رؤية متكاملة.

من خلال متابعة مواقف السيد القائد، ومن خلال التأمل في خياراته، يظهر بوضوح أن كُـلّ خطوة كانت محسوبة، وكل قرار وُضع في مكانه.

لم يُتخذ قرار إلا وكانت ثمرته خيرًا، ولم تُخض معركة إلا وتحولت إلى رصيد قوة.

اليمن كان على شفا الهاوية، ثم أصبح على أبواب النصر، ولم يكن ذلك صدفة.

بل بقرارات حكيمة، وقيادة واعية، ورؤية تستوعب مكر العدوّ وخداعه وتعقيدات اللحظة.

لذلك يصبح واجبنا اليوم أن نتحلى بالبصيرة، وأن نتجنب الضغط غير الواعي، وأن نثق بأن القيادة تتحَرّك وفق معطيات كاملة.

المطلوب هو الصبر، والتسليم الواعي، والمبادرة عندما تأتي الدعوة إلى موقف أَو تحَرّك.

وعندها فقط يتحقّق وعد الله بالفرج، ويتكامل شرط النصر، وتشفى صدور قوم مؤمنين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بشير ربيع الصانع

spot_imgspot_img