عبّر الإعلام العُماني، عبر صحيفة رأي عُمان الرسمية، عن قلقٍ بالغٍ من التطورات العسكرية الأخيرة في المحافظات الشرقية لليمن، بعد تمدد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتياً إلى محافظتي حضرموت والمهرة، محذّراً من أن هذه التحركات تمثل “اللحظة الأخطر في تاريخ اليمن الحديث”، وتهدد بفتح أبوابٍ جديدة للفوضى والانقسام في منطقةٍ كانت حتى وقتٍ قريبٍ واحة استقرار نسبي.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها السياسية إن “اليمن، الذي كان يُنتظر أن يتجه نحو إعادة بناء وحدته وترميم نسيجه الوطني، يسير اليوم نحو صراع نفوذ وانقسام داخلي يبدأ من الشرق المستقر”، مشيرةً إلى أن ما يجري في حضرموت والمهرة “كسر آخر ما تبقّى من حالة الاعتياد على الهدوء”، وفتح الباب أمام فوضى يصعب السيطرة عليها حتى لو رغب الجميع في إيقافها لاحقاً.
وأضافت رأي عُمان أن حضرموت والمهرة ظلّتا على مدى عقدين بعيدتين عن نيران الحرب والانقسامات، بفضل توازنات قبلية واجتماعية دقيقة، وارتباطات اقتصادية وتجارية ضمنت لهما استقراراً هشاً لكنه فعّال، إلا أن “العبث الراهن بتركيبة الشرق اليمني يهدد بانهيار تلك التوازنات وولادة سلطات موازية تتضخم على حساب الدولة”.
وأكدت الصحيفة أن ما يحدث اليوم يعني عملياً “تعدد المرجعيات الأمنية وتفكك مؤسسات الدولة”، محذّرةً من أن إدارة الموارد والمعابر والمنافذ خارج سلطة الحكومة الشرعية تحوّل الأمن إلى ولاء، والمعابر إلى مراكز نفوذ، والموارد إلى غنائم، فيتراجع مفهوم الدولة وتولد أسواق موازية للسلطة والمال، على حد وصفها.
وأشارت الصحيفة إلى أن حضرموت تمثل العمق الاقتصادي والبحري لليمن، وأنها “تملك وزناً جغرافياً وبشرياً لا يمكن إخضاعه بمنطق الغلبة العسكرية”، بينما تعد المهرة “حلقة وصل تجارية وحيوية على حدود السلطنة، وحسّاسيتها الجغرافية تفرض أن تبقى بعيدة عن مغامرات النفوذ الإقليمي”.
ووصفت الصحيفة ما يجري بأنه “محاولة لخلق كيانات صغيرة تسابق الزمن لتقويض فكرة اليمن الواحد”، مؤكدة أن الشرعية اليمنية اليوم “تتفكك بين معسكرات متناحرة فقدت مرجعيتها الوطنية، فيما تتحول السياسة إلى سوق لصفقات قصيرة الأجل”.
وشددت رأي عُمان على أن تجارب تقسيم الدول تبدأ حين يعتاد الناس أن لكل منطقة سلطتها وقرارها ومواردها الخاصة، وأن أخطر ما يواجه اليمن هو “أن يصبح الحديث عن الوحدة شعاراً سياسياً فارغاً بينما الواقع يُدار بعقلية التجزئة والانقسام”.
وأكدت الصحيفة أن موقف سلطنة عُمان ثابت منذ عقود في دعم وحدة اليمن واستقلاله ورفض تحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، مشيرةً إلى أن مسقط “لم تنحز يوماً لطرف ضد آخر، بل انحازت دائماً لفكرة الدولة اليمنية ككيان جامع لكل المكونات”، معتبرة أن استقرار اليمن جزء من أمن الخليج والمنطقة.
وختمت الصحيفة افتتاحيتها بدعوة واضحة إلى وقف أي تحركات توسعية أو خطوات أحادية في الشرق اليمني، مؤكدة أن “لغة التهدئة لا تكفي ما دامت الأرض تتحرك في الاتجاه المعاكس”، وأن الشرط الأول لإنقاذ اليمن هو تجميد التمدد العسكري فوراً، والعودة إلى ترتيبات أمنية تضمن بقاء حضرموت والمهرة تحت مظلة الدولة اليمنية لا تحت مظلة الأمر الواقع.
وبذلك، عبّر الموقف الإعلامي العُماني عن قلقٍ استراتيجي حقيقي من تفكك اليمن وتمدّد نفوذ الإمارات ووكلائها شرقاً، في وقتٍ تسعى فيه السلطنة — بحكم جوارها وحدودها الطويلة مع المهرة — إلى تجنّب تحوّل تلك الجغرافيا الهادئة إلى جبهة صراع جديدة تهدد استقرار الإقليم بأسره.
