في خطوة تُوصف بأنها محاولة أخيرة للنجاة من الغرق السياسي والعسكري، تحركت ميليشيا الإصلاح – الجناح اليمني لجماعة الإخوان المسلمين – نحو بريطانيا، مستنجدًا بها لإنقاذ ما تبقّى من نفوذه شمال وغرب اليمن، بعد أن تهاوت معاقله تباعًا تحت ضربات خصومه، ومع اقتراب إدراجه رسميًا على قائمة الإرهاب الأمريكية.
وبحسب مصادر سياسية، نفذ عبدالرزاق الهجري، القائم بأعمال رئيس الحزب، سلسلة لقاءات مكثفة في مجلس العموم البريطاني ومع مسؤولين في الخارجية البريطانية، كما شارك في ندوات مغلقة نظمها مركز شاتام هاوس المرتبط بالاستخبارات البريطانية.
وتركزت تلك اللقاءات على مناقشة التطورات المتسارعة في شرق اليمن، حيث بسطت الفصائل الإماراتية سيطرتها على الهضبة النفطية في حضرموت والمهرة، وهي مناطق كان “الإصلاح” يراها خط دفاعه الاستراتيجي الأخير في وجه تمدد خصومه.
وخلال اللقاءات، شنّ الهجري هجومًا حادًا على المجلس الرئاسي الموالي للتحالف، متهمًا إياه بـ “التآمر على الحزب وتنفيذ أجندة تصفية ممنهجة ضده”، محمّلاً إياه المسؤولية عن خسارة الحزب لمعاقله. كما طالب بريطانيا – التي تُعد “حاملة القلم اليمني” في مجلس الأمن وعضوًا مؤثرًا في اللجنة الخماسية الدولية – بالتدخل لمنع ما وصفه بـ “الانهيار الكامل للعملية السياسية في اليمن”.
ويأتي التحرك البريطاني هذا في لحظة وصفتها أوساط سياسية بـ الحرجة والمصيرية بالنسبة للحزب الذي خسر معظم ثقله الميداني بعد أن كان لعقدٍ كامل الذراع العسكرية والسياسية الأقوى داخل معسكر التحالف.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس شعور الحزب بالعزلة وفقدان الحلفاء التقليديين، بعد أن تم تجريده من المواقع الحيوية في مأرب وشبوة وحضرموت، واقترب خصومه من تعز، آخر معاقله الكبرى شمال البلاد.
ويشير محللون إلى أن لجوء الحزب إلى لندن، وليس إلى الرياض أو الدوحة كما جرت العادة، يعكس تبدلاً في الرهان الإقليمي، ومحاولة استجداء دور بريطاني بعد أن أحكمت واشنطن قبضتها على الملف اليمني وأعطت الضوء الأخضر لترتيبات جديدة تستثني “الإصلاح” من المعادلة القادمة. ويرى آخرون أن المساعي الأخيرة لا تتجاوز “تعلّق الغريق بقشة”، في ظل تآكل نفوذ الحزب داخليًا وتخلي داعميه عنه.
وفي موازاة هذا التحرك السياسي، تفجّر انقسام علني داخل الحزب نفسه عقب هجوم لاذع شنّته الناشطة توكل كرمان – الحائزة على جائزة نوبل للسلام وأبرز رموز الحزب سابقًا – واصفة قياداته بـ “المرتزقة الذين تلعب بهم ممالك الرمال”.
وقالت كرمان في تدوينة على صفحتها في “فيسبوك”: “لا يوجد أهون ولا أحقر من الأحزاب اليمنية، بلادهم تعبث بها ممالك الرمال ويتقاسمها الضباع، ولم نسمع لهم نخس”. وفي منشور آخر سخرت من مشهد الانسحابات المتبادلة بين الفصائل التابعة للإمارات والسعودية، قائلة: “مرتزقة الإمارات ينسحبون لمرتزقة السعودية ويحتفون بذلك كإنجاز!”.
ويُعد تحرك الإصلاح على الجبهة البريطانية الأول من نوعه منذ انخراطه في صفوف قوى المرتزقة الموالية لتحالف العدوان قبل سنوات. ورغم تقلص مساحة نفوذ الحزب سياسيًا وعسكريًا، إلا أن التحرك الأخير يكشف وصول الحزب لقناعة بقرب طي صفحته في اليمن، خصوصًا في ضوء التقارير عن ترتيبات لإسقاط معاقله الأخيرة في مدينتي تعز ومأرب.
ومع أنه لم يتضح مدى قدرة بريطانيا على إعادة الحزب لصدارة المشهد في اليمن في ضوء التغول الامريكي بالملف اليمني وقرارها اقصاء الحزب من المشهد بتصنيفة “ارهابيا”، إلا أن التحرك عُدَّ بمثابة “تعلُّق الغريق بقشة”، وفق توصيف خبراء.
