كشفت صحيفة كالكاليست الاقتصادية العبرية، في تحليل موسّع، أن صفقة تصدير غاز الاحتلال الإسرائيلي إلى مصر تم تمريرها تحت ضغط مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تدخّل عبر القنوات السياسية العليا في تل أبيب لضمان توقيع الاتفاق، رغم اعتراضات داخلية واسعة وتحذيرات من أن الاتفاق يرسّخ احتكاراً شبه كامل لسوق الغاز في إسرائيل حتى عام 2032.
وبحسب الصحيفة، فإن ما يُروّج له رسمياً على أنه “اتفاق تاريخي” قد يتحوّل إلى عبء اقتصادي طويل الأمد، إذ يفتقر السوق الإسرائيلي إلى أبسط معايير المنافسة، مع سيطرة شركة “شيفرون” الأمريكية على نحو 90% من احتياطيات الغاز عبر ملكيتها 40% من حقل ليفياثان و25% من حقل تمار، إضافة إلى سيطرتها التشغيلية عليهما. واعتبرت مفوضة المنافسة ميخال كوهين هذا الوضع “إشكالياً للغاية”، محذّرة من تلاشي فرص دخول أي منافسين جدد إلى السوق.
ورأت الصحيفة أن الاحتكار أصبح واقعاً فعلياً، خصوصاً مع تراجع دور حقل “كاريش” الذي كان يشكّل هامش المنافسة الوحيد. وأشارت إلى أن غياب التعددية في المنتجين يجعل إسرائيل رهينة لمزاج الشركات الكبرى، الأمر الذي يُفقد الدولة قدرتها على ضبط الأسعار أو حماية المستهلكين في المدى الطويل.
وفي ما يتعلق بالأسعار، أكدت كالكاليست أن الاتفاق ثبت سعر الغاز عند 4.7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وهو أعلى من السعر الحالي البالغ 4.5 دولارات، مع ربطه بتعرفة الكهرباء المنزلية التي ترتفع سنوياً بنسبة 1 إلى 2%، ما يعني أن الأسعار ستصعد تلقائياً كل عام. ووصفت الصحيفة هذه الآلية بأنها “غير مثالية على أقل تقدير”، لأنها تنقل مخاطر التسعير المستقبلية من المنتجين إلى المستهلكين، لتصبح استدامة الأسعار مرهونة بزيادة أعباء المواطنين.
وأوضحت الصحيفة أن الحل الوحيد لخفض الأسعار وتحقيق منافسة فعلية يكمن في فرض فائض عرض داخل السوق المحلي، بحيث يُجبر المنتجون على بيع كميات إضافية بأسعار أقل. ولهذا، اقترحت وزارة المالية الإسرائيلية تحديد سقف لتصدير الغاز لا يتجاوز 85% من الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي، لكن الشركات رفضت بشدة هذا المقترح، معتبرة أنه “يكبّدها خسائر ضخمة”. ومع ذلك، رأت الصحيفة أن هذا الإجراء هو الوسيلة الوحيدة لضمان المنافسة وكبح الأسعار في المستقبل.
وتشير كالكاليست إلى أن الاتفاق الحالي ينص صراحة على تجميد أي إصلاح للمنافسة حتى عام 2032، وهو ما وصفته بأنه “تنازل خطير” سيقيد يد الدولة لسبع سنوات على الأقل، ويمنح شركة “شيفرون” ومن معها سيطرة مطلقة على سوق الطاقة الإسرائيلي.
واختتمت الصحيفة تحليلها بالتأكيد على أن الضغط الأمريكي كان العامل الحاسم في تمرير الصفقة، موضحة أن ترامب مارس ضغطاً مباشراً على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة إيلي كوهين لإنهاء المفاوضات سريعاً، بدافع حماية مصالح شركات النفط الأمريكية، وعلى رأسها “شيفرون”، ودعم مصر التي تواجه أزمة طاقة خانقة، إلى جانب تعزيز النفوذ الأمريكي في شرق المتوسط وتقليص الاعتماد على الغاز الروسي.
وحذّرت كالكاليست من أن الاتفاق – إذا لم يُعدل عبر لجنة “دايان” لإدخال آلية “فائض العرض” – قد يتحوّل من إنجاز سياسي إلى عبء اقتصادي استراتيجي يثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي لعقود قادمة، ويجعل المستهلكين يدفعون ثمن احتكار فُرض تحت ضغط البيت الأبيض أكثر مما فرضته اعتبارات السوق أو المصلحة الوطنية.
