المشهد اليمني الأول/

 

أفضل من سيناريوهات أفلام “هوليوود”، وأكثر تشويقًا من الوثائقيات المدبلجة بالعربية عن قصص الحرب العالمية، مدن تمتلئ بالتكنولوجيا، في منطقة تنتمي أغلب دولها إلى المتوسطة أو الفقيرة، وصورة نمطية تتكرر عبر وسائل الإعلام، تغري بالهجرة وتداعب مخيلات العرب، هكذا كانت بداية الصعود الإماراتي السريع إلى عرش الدول الأفضل والأكثر جذبًا للشباب العرب.

 

اقتصاد لا يتوقف عن النمو، وقيادات شابة تنقل أفضل منجزات العالم إلى أبو ظبي ودبي، وحياة مرفهة يجري تصويرها وعرضها على الشاشات الإعلامية بصورة مستمرة، لتقرر حقيقة في الأذهان، هي أبعد ما تكون عن الواقع، وأقرب إلى نسخة مصنوعة بالكامل، تستهدف تمييع الوعي العربي، وربط أي تقدم أو منجزات بالغرب فقط.

 

البداية الإماراتية كانت متشابهة للغاية مع سياسة تركيا، مطلع الألفية.. “صفر مشاكل” والسعي لتقديم اقتصاد مثال للدول المحيطة، دول الخليج وإيران كانت المستهدفة بالتصعيد والتلميع و”البروزة” للاقتصاد الإماراتي المبني، كما تركيا، على لا شيء.

 

وإذا كان النموذج التركي يستند إلى موقع وتاريخ مع شعوب المنطقة – وإن كان تاريخًا معمدًا بالدم – إضافة إلى وزن سكاني، ولغة تعكس اختلاف ثقافي، يجد مساحات للحوار والتقارب، وأحيانًا يسبب التضاد والصراع، فإن الإمارات لا تمتلك من الميزات الحاضرة إلا التدفق البترودولاري، الذي ساعد على بناء نموذج مشوق، يقترب من أفلام الكارتون، أو في أفضل مشاهده، مدينة افتراضية تقترب من المثالية.

 

الأذرع الناعمة، التي اعتمدها التخطيط الأميركي لمستقبل المنطقة، تحولت مع الوقت، وبفعل أزمة تضرب بنيان النظام الغربي منذ 2008 -أزمة مالية تدحرجت إلى كابوس اقتصادي- الى مخالب قاتلة، تتصرف من منطلق القوة والقدرة، وكأنها تملك بالأساس زمام أمرها.

 

ولأن الأرقام وحدها محايدة، رغم كل قيود الرقابة والمنع، التي تصل إلى ذروتها في بلدان الشرق الأوسط ذات النظم الملكية الرجعية، ولا تُعلن بوضوح إلا عقب –أو قرب- السقوط، فإن الاقتصاد الإماراتي ليس هو التاكسي الطائر أو المدن الذكية، بل هو أقرب إلى بنية مستوردة بالكامل، تستفيد من الريع النفطي من جهة، ومن تراجع عدد السكان، نسبة لإجمالي الدخل القومي، عدد السكان 9.34 مليون نسمة منهم 1.58 مليون مواطن والباقي وافدون، من جهة أخرى.

 

ولمعرفة الفارق المذهل الناتج عن تراجع عدد السكان بالنسبة لمستوى المعيشة، يأتي تقرير صندوق النقد الدولي –الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2017- بمفاجأة أن الاقتصاد المصري الذي يعاني الأمرّين يتفوق بفارق ضخم على الاقتصاد الإماراتي، إذ يبلغ الناتج القومي لمصر حسب تعادل القوى الشرائية، أو الناتج القومي الحقيقي، يبلغ 1.197 ترليون دولار، فيما يبلغ الإماراتي 693.7 مليار دولار فقط.

 

تقرير “صندوق النقد” يكشف أيضًا حقائق جديدة، يُغيبها الإعلام الممول خليجيًا، وعلى رأسها أن الجمهورية الإسلامية، رغم ظروف الحصار الممتد منذ قيام الثورة، ورغم التهديدات الأميركية بالنكوص عن الاتفاق النووي، تتفوق بمرتين ونصف على الإمارات، ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة 1.535 ترليون دولار، بفارق بسيط خلف إسبانيا وكندا، وتقبع في المركز الـ 18 عالميًا، وهي ذاهبة لمدار آخر، إذا ما تم فعلًا رفع الحصار عنها، وتمكينها من تجديد بنيتها الصناعية، والاستفادة من العلاقات التجارية مع أغلب الدول الأوروبية.

 

وفي 2018، وبفعل حرب اليمن، التي تلقي بالمزيد من العثرات على اقتصاد الإمارة القائم على الريع النفطي والتبادلات التجارية، والوساطة المالية، وخلال الفترة من يناير/ كانون الثاني الماضي إلى شهر مايو/ أيار تم رفض مليون و200 ألف شيك مؤجل الدفع بقيمة إجمالية 26 مليار درهم، نحو 7 مليارات دولار، موضحا أن هذا الرقم يمثل 39.3 % من إجمالي الشيكات التي صدرت عام 2017 وكانت مستحقة السداد في 2018، وهي أرقام فاضحة للتراجع المريع في الأداء الاقتصادي.

 

وإلى جانب التراجع الكبير في الاستثمارات الأجنبية، وفقدان الميزة النسبية للإمارات، البعيدة عن الحروب، فإن الأرقام مرشحة للتصاعد مع استمرار العدوان على اليمن، إذ سيفضل كبار رجال المال الغربيين الابتعاد عن الساحة الساخنة، والتي تصل إليها صواريخ أنصار الله، وطائراتهم المسيرة، وفقًا للقاعدة الذهبية “رأس المال جبان”.

 

الاقتصاد الخليجي، بشكل عام، ينتمي إلى الشكل الريعي، هو اقتصاد يتولد فيه جانب كبير من الدخل بسبب تملك مورد أو سلعة، أو أصل يتسم بالندرة، ويستحوذ عليه مجموعة محدودة، ويتنافس على طلبه الآخرون، كما هي حال النفط، وزيادة الطلب عليه، وارتفاع ثمنه لما يتمتع به من ندرة، وتتولد دخول عالية دونما قيمة مضافة أو دونما سلع وخدمات منتجة في الأسواق، وبالتالي يبقى الاقتصاد دومًا محكومًا من الخارج والأسواق العالمية.
ــــــــــــــــــ
أحمد فؤاد