المشهد اليمني الأول/

 

أخذت أمريكا على عاتقها مهمة مراقبة العالم، من خلال معرفة نشاطات كل دولة، واستشعرت أبعاد جميع التطورات والاتفاقات الإقليمية والدولية، كخطر قادم يهدد مصالحها حول العالم، وتأتي نظرتها هذه من الرؤية العدائية التي تحملها تجاه العالم، فلا يروق لصقور البيت الأبيض قيام أي دولة حول العالم بأي نشاط تجاري أو سياسي أو حتى عسكري بعيداً عنها، فكيف إذا كانت هذه الدولة، عملاقاً صاعداً بكل ثقة ومصداقية، من خلال مشاريع تنموية.. وعليه لم تعد القوة الصينية، مقبولة لدى أميركا، وقد أصبحت ثقلاً اقتصادياً وسياسياً.

 

وما يجري بين أميركا والصين يصطلح عليه بحرب «صعود القمم» فمن أوجه الخلاف الاستراتيجي بين الأمريكي والصيني، الوجود الصيني الكبير في باكستان، ولاسيما بالتنسيق الذي يجري بين المؤسستين العسكريتين الباكستانية والصينية في عدة ملفات، أهمها الملف النووي.

 

وانطلاقاً من هذه النقطة، وبعيداً عن زخم الحرب على الإرهاب، تدور حرب أخرى قوامها التسلط الأميركي والحضور الصيني، فلا نجد أميركا مرتاحة لانطلاقة الصين نحو الفضاء القاري.

 

إن الصين لا تمانع أن تتعامل باكستان مع أمريكا، والاستفادة من حجم الاستثمارات المتاحة بالمنطقة، والتنمية المحققة في ظل ذلك، وفي هذا الصدد توفر الحكومة الصينية فريقاً متكاملاً من المستشارين الفنيين والمهندسين المتخصصين في مجالات التعاون كافة، فترى المؤسسة العسكرية الباكستانية في التعاون مع الصين حفاظاً لكيانها ممن يريدون بها شراً.

 

في المقابل، بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بحملة مغرضة ضد الصين ومشروعاتها التنموية، وافتقرت، كالعادة، للأدلة المنطقية.

 

فادعت صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال لها بأن «خطة الحزام والطريق» في باكستان تأخذ منحى عسكرياً، وزعمت أن الصين تسعى لتطوير أهداف عسكرية بحتة كجزء من مشروعها الاقتصادي، وأنها تخفي وجود خطة سرية لبناء طائرات مقاتلة.

 

وبالطبع، تلجأ واشنطن كالعادة لهذه الادعاءات المزيفة عندما تريد تخريب دولة ما، أو استهداف مقوماتها، وتقويض مشاريعها ونموها الاقتصادي.

 

ومن الطبيعي أن يكون لأوجه التعاون بين دولتين، اتفاقات وعقود، ولاسيما في الجانب العسكري، فقد وقعت القوات الجوية الباكستانية وبكين اتفاقاً لتوسيع مبنى الطائرات العسكرية، إضافة للتعاون في مجال الفضاء، والتي اعتبرتها واشنطن محاولة «عسكرة» الوجود الصيني هناك، بالرغم من الاتفاقات العسكرية والاقتصادية، والعلاقات الوثيقة جداً والقديمة التي تربط البلدين والتي تعود لخمسينيات القرن الماضي.

 

 

وبالرغم من حق كل دولة بالسعي لتطوير قدراتها في كل المجالات، إلا أن واشنطن تصنف المشاريع العسكرية كجزء من اتفاقات المشروع الصيني «الحزام والطريق»، بينما المشاريع الاقتصادية هذه تسعى لتطوير برامج البنية التحتية البالغ قيمتها تريليون دولار التي تمتد عبر 70 دولة وصولاً لإفريقيا.

 

 

وسعت بكين في مسار مشروعها الاقتصادي لبناء ميناء بحري صيني، ومنطقة اقتصادية، ما يعطي الصين سرعة في نقل البضائع، ويسهم إيجاباً وبشكل فعال في دعم الاقتصاد الباكستاني. واستطاعت الصين تطوير نظام الملاحة الفضائية للأغراض المدنية، بعيداً عن الاعتماد على شبكة تحديد المواقع التي تديرها القوات الأمريكية.

 

 

وتحاول الكثير من الأوساط السياسية ووسائل الإعلام الأمريكية تمرير الطبيعة المزدوجة والمعروفة للملاحة عبر الأقمار الصناعية، وتعتبرها «مؤامرة» عسكرية سرية، فسعت واشنطن لمراقبة تحركات الجيش الصيني وعملياته عبر برامج وأنظمة الملاحة الفضائية لتحديد المواقع، بينما استطاعت بكين إطلاق قمرين صناعيين لنظام (بيدو) للملاحة بالأقمار الصناعية، وتخطط الصين لتقديم حيز المشاركة للدول المشاركة في مشروعها «الحزام والطريق»، وتوصلت بكين لاستخدام هذا النظام للحاجات المدنية بسهولة.

 

 

وتحدث كبير مصممي نظام (بيدو) قائلاً: إنها لخطوة رئيسة لتطوير نظام الملاحة بالأقمار الصناعية من نظام صيني تجريبي إلى نظام إقليمي، وذلك بعيداً عن الأنظمة الأمريكية.

 

 

وأشارت الصحف الأمريكية للمنطقة الصناعية الاقتصادية المشيدة في باكستان بالتعاون مع الصين، فالعلاقات ذات التاريخ القديم في مجالات عدة، أي قبل وقت طويل من إطلاق الصين لمبادرتها الاقتصادية المستهدفة أميركياً، يفند وينفي المزاعم الأميركية بشأنها، فقد تركزت عقود التعاون في الدفاع المشترك، وكانت باكستان مستورداً رئيساً للمعدات العسكرية الصينية.

 

وفشلت الصحف الأميركية في ربط العلاقات العسكرية الباكستانية – الصينية بمبادرة الصين الاقتصادية، إلا من التلميحات الأكثر امتعاضاً، وتعتبر ادعاءات الإعلام الأمريكي الساعية لضرب مشروع الصين التنموي، وتشويه صورتها، محاولة لتقويض مصداقية بكين كشريك دولي.

 

وتهدف واشنطن من كل هذا الضجيج الإعلامي إلى تقويض مشاريع الصين الاقتصادية وعرقلتها، والعمل على فتح جبهة ثانية، بالتزامن مع حملة الغرب المسعورة ضد روسيا أيضاً، فبينما تسعى أميركا للحروب وفرض شروطها وإملاءاتها، توظف وسائل الإعلام والدول التابعة لها في هجومها، فالكيفية التي تتشكل بها الحرب المعلوماتية في الغرب، تعطينا أدلة واضحة على عدم جدوى أو عقم خطط أميركا الأكثر حدة لمواجهة القوى الصاعدة.

 

ولا ترغب الصين بالحرب مع أمريكا ولا مع غيرها، فسياسة المصالح الاقتصادية هي محطة أساسية في مسار السياسة العامة، أما شبح انطلاقة الصين فيقلق واشنطن، لذلك شرعت وبسرعة في تعبيد الطرق، وتشييد القواعد العسكرية بإحكام، على قمم جبلية عالية محاذية للحدود الصينية- الروسية.. وبالتالي، تبقى النيات الأميركية الاستعمارية والعدائية مغروسة بالطبيعة الوحشية المتغطرسة للامبريالية العالمية الساعية لتدمير الشعوب واستغلال مقدراتها.

 

 

عن «نيوايسترن اوت لوك» الروسي