المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    هل يعقد ترامب بالفعل الصفقات مع حماس وأنصار الله من خلف ظهر نتنياهو؟

    جنون العظمة الواضح في تصريحات ترامب يقابله جنون العظمة في سلوك نتنياهو، فالأول عاد إلى الحكم بعد أن أقصي وكاد أن يتسبب بحرب داخلية، والآخر أعاد الانتخابات خمس مرات متتالية حتى حصل على الأغلبية.

    يصعب أن نتخيّل مفارقة أميركية إسرائيلية في أيّ حقل من حقول الصراع، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بأمن الكيان الإسرائيلي المباشر، لأن الأسس الاستراتيجية الأميركية تقوم على احتضان هذا الكيان، مهما كانت طبيعة الفريق الحاكم في واشنطن، فكيف والحال عندما يكون هذا الفريق منسجماً مع الائتلاف اليميني الحاكم في “تل أبيب” بعمق أيديولوجي صريح؟ والسياسة ثمرة الأيديولوجيا في جوهرها مهما تنافر الأداء السياسي.

    المزاج النفسي قد يخرق المألوف الفكري وثمرته السياسية، وهذا وفق علماء النفس يغوص عميقاً بما يفوق كل التصورات، فهل كان المئات من علماء النفس الأميركيين على حق حين شطحوا في تحليل شخصية ترامب بما ينسف التأصيل الأيديولوجي والروتين السياسي؟

    بحسب عالم النفس جون جارتنر، تظهر عند ترامب أربعة أعراض رئيسية للنرجسية الخبيثة، بما في ذلك جنون العظمة والسادية. هذا النوع من الزعماء، بحسب جارتنر، يظهر على مر التاريخ، وهم دائماً مثيرون للاضطراب. وأمام معطى كهذا لنفسية زعيم سياسي بخلفية تاجر عقارات ثريّ، يتحدث عن حقه بتجاوز كل مألوف في أسس النظام الأميركي والعالمي، فمن حقه أن يحكم أميركا لفترة ثالثة، وأن يتجاوز الدستور الأميركي، ويضم كندا، ولو بالإكراه، ويهجر سكان غزة، ولماذا لا يصبح هو ذاته بابا الفاتيكان الجديد؟

    جنون العظمة الواضح في تصريحات ترامب، يقابله جنون العظمة في سلوك نتنياهو، فالأول عاد إلى الحكم بعد أن أقصي وكاد يتسبب بحرب داخلية، والآخر أعاد الانتخابات خمس مرات متتالية حتى حصل على الأغلبية، ودفع معظم خصومه في فريق الحكم إلى الاستقالة، سواء في الجيش أو الحكومة أو المؤسسة الأمنية.

    يقف ترامب في زهوه ليقود العالم وفق منطق الأرباح المالية، فيما يروج نتنياهو أنه يغير خريطة الشرق الأوسط بالقوة العسكرية. والمفارقة هنا أن هذه القوة أميركية في الأساس. لذا، يبدو المشهد سرياليّاً بامتياز عندما يحاول نتنياهو أن يتنطح في ميدان كهذا، وسبق أن نجح مع الرئيس الأميركي السابق بايدن، عندما كان يتسلم منه المليارات وأطنان المتفجرات، ثم ينتقده علناً، ولكنه يجد في دولة أميركا العميقة دوماً من يسند ظهره ليواصل حرب الإبادة في غزة ولبنان.

    بدأت القصة هناك في عُمان، ولا علاقة لها بمفاوضات واشنطن وطهران، فاليمني ليس وكيلاً عند طهران، كما تأكد للأميركي، فلا مجال ليفاوض بالنيابة عنه، وطهران تتعامل مع حلفاء عقائديين، وهي تحتفي ببطولاتهم ويشتد ظهرها كتحصيل حاصل من نجاحاتهم. وقد نجح اليمني في بسط قواعد اشتباكه في البحار المحيطة في وجه البوارج العملاقة، وحقق حصاراً بحرياً على ميناء إيلات الإسرائيلي بشكل كامل منذ أن اندفع الطوفان، وهو طوفان نجحت فيه غزة بالضربة الأولى وواصلت النجاح وفق معادلة الصمود الميداني والسياسي مع الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين وتوجيه ضربات مؤلمة إلى جيش الاحتلال؛ نجاحات وضعت ترامب أمام الحقائق التي يدير لها نتنياهو ظهره.

    هنا كانت المفاجأة غير المسبوقة في السياسة الخارجية الأميركية، عندما يحتفي ترامب باتفاقه مع الحوثي وقد اكتشف مدى شجاعة جنوده وقد تحملوا 1100 ضربة أميركية منذ أن أعلن حربه عليهم. شعر نتنياهو بالصدمة أمام اتفاق أميركي حوثي لم يعلم به إلا عبر الإعلام، وهو اتفاق يكفل بالنتيجة فتح معابر غزة لدخول المساعدات الإنسانية، وماذا عن القصف اليمني للكيان الإسرائيلي وسفنه؟

    تساءل العالم مندهشاً؛ كيف تتفق أميركا بجبروتها مع جماعة تواصل قصف ربيبتها ورأس حربتها “إسرائيل” وتحاصر ميناءها البحري الجنوبي؟ والأهم أنه فيما كان ترامب يحتفي بهذا الاتفاق من أرض الرياض وهو يستهل زيارته للسعودية، كانت الصواريخ اليمنية تشق طريقها من فوق رأسه، مستهدفة مطار بن غوريون، حيث الحصار اليمني الجوي للكيان الإسرائيلي، وهو حصار سارعت شركات النقل الجوي الأميركية والبريطانية إلى الإذعان له، منضمة إلى عشرات الشركات الأوروبية والعالمية.

    أمكن لنتنياهو أن يبتلع الاتفاق الأميركي اليمني، ليؤكد قدرة جيشه وحده على مواجهة اليمن، ولكنه يكتشف لاحقاً وعبر استخباراته أن ما هو أخطر آتٍ، فالأميركي يفاوض حماس في الدوحة بشكل مباشر، وهذه المرة ثمة حساسية خاصة مع زيارة ترامب للخليج، وهو ما تلقفته حماس ورأته فرصة لتعزيز شرخ يتعمق بين الصديقين ترامب ونتنياهو، فما أسست له أيديولوجيا التطرف المشتركة بينهما قد تنسفه العقد النفسية النرجسية المستفحلة في التكوين الذهني للرجلين، في وقت يخرق ترامب مألوف الدولة العميقة في أميركا، ويواصل هز نسيجها العصبي بمناسبة أو دون مناسبة.

    دخلت حماس اللعبة عبر قنواتها، فهناك عرب في أميركا دعموا حملة ترامب، وعلى رأسهم أميركي من أصل فلسطيني هو بشارة بحبح، إذ لم توفر أميركا الفرصة، وقد تفرغ ويتكوف ومعه بوهلر ليتحقق الإفراج عن الأسير الإسرائيلي من أصل أميركي عيدان ألكسندر، والذي رفض لقاء نتنياهو، في وقت اعتبره ترامب إنجازاً عظيماً، وخصوصاً أنه تم دون مقابل، وهو ما اضطر نتنياهو إلى أن يرسل وفده إلى الدوحة للتفاوض غير المباشر على صفقة لم تتبلور ملامحها، وإن كان يصرّ على أن تبقى في إطار مقترح ويتكوف الذي سبق لحماس أن رفضته، في ظل تكرار تهديداته بأنه سينفذ الخطط المعدة لاجتياح غزة بالكامل.

    يدندن نتنياهو حتى اللحظة وفق طريقته المعهودة، وهو يرد كل إنجاز يتعلق بالأسرى إلى ميدان الضغط العسكري، ما يعني قتل المزيد من الأطفال والنساء في غزة، في وقت بدأ رجال ترامب يكذبونه صراحة. وقد أعلن ويتكوف أن المبادرات السياسية هي التي أعادت ألكسندر، وهي التي فتحت باب التفاوض على مصراعيه، والمفاوض بوهلر يقف في ساحة تظاهر عوائل الأسرى متضامناً معهم، ومعلناً أن هناك فرصة جدية، وهو ما يحاول نتنياهو التقليل منه من دون كلل.

    يشير مستوى التناقض السياسي الراهن بين أميركا والكيان إلى أثر الصمود الفلسطيني اليمني، وهو تناقض في تكتيكات الحرب في نهاية الأمر ليس إلا، فترامب يحرص على مستقبل الكيان، ولكن على طريقته ومزاجه النفسي الراهن، وهو ما يستثمره اليمني ثم الفلسطيني وفق معطيات ملموسة، ليبني عليه ما يسعى لإنجازه في توهين مساعي نتنياهو الراهنة كأولوية ملحة تحقن الدماء وتثبت أثر السابع من أكتوبر، وإن كان أصل الصراع وكامل طرقه ثابتاً في عمق التحالف الأميركي الإسرائيلي الراسخ وغير القابل للتفكك ضمن الواقع الراهن.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد جرادات

    spot_imgspot_img