أسعدت رسالتكم إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران قلوب جميع المسلمين المتعطّشين للوحدة الإسلامية، وفرحوا بها، واعتبروها خطوة مهمة في طريق المصالحة الشاملة، باعتباركم ركنا مهما في الأمّة، ولكم وجود في جميع البلاد الإسلامية، لكن مع ذلك نتمنى أن تصدروا بيانات أخرى تكمل هذا البيان، وتجعله متناسبا مع التحديات الكبرى التي تمرّ بها أمتنا الإسلامية، والتي لا تستهدف طوائفها وأراضيها فقط، بل تستهدف وجودها، ووجود الإسلام نفسه.
وكل هذه الأمور التي نريدها منكم لا تخالف أبدا التعاليم التي أُسّست على أساسها جماعتكم، بل لعله لا يمكن أن تعود لكم الأصالة التي دعا إليها الشيخ حسن البنا أو الهضيبي أو التلمساني أو سيد قطب من دونها، ويمكننا لو شئتم أن نذكر لكم ما يثبت ذلك من كلمات هؤلاء الأساتذة والمشايخ والعلماء.
وأول هذه الأمور، هو تبني الوحدة والتقارب بين المسلمين، والتي حرص عليها الشيخ حسن البنا، وذكرها في رسالة التعاليم، وكان هو نفسه يحاضر في دار التقرب، ولذلك نتمنّى أن تعودوا إلى هذا المنهج القويم، وتعتبروا جميع المسلمين مسلمين مهما اختلفت طوائفهم ومذاهبهم، وهذا يستدعي التبرؤ من أولئك الذين تبرؤوا منهم، لتأثرهم بالتيارات السلفية، أو بعلماء السعودية.. فأين علماء السعودية جميعا من شيوخكم وعلمائكم؟
وثاني ما نتمناه منكم نصح الذين يحملون اسمكم، لكنّهم يخدمون الأعداء، بتوجيه ضرباتهم لإخوانهم المؤمنين، وأول هؤلاء حزب الإصلاح الذي بدل أن يضع يده في يد إخوانه من أبناء المسيرة القرآنية، لرفع يد الأمريكان والسعودين عن اليمن، راح يحمل السلاح، ويوجهه لمن هم الآن يواجهون أمريكا والكيان للذب عن إخوانهم في فلسطين، والذين هم أحق الناس بلقب الإخوان المسلمين.
وثالث هذه التمنيات أن تطلبوا من حكام سورية الجدد، والذين كنتم أول المساهمين في التمكين لهم بأن يسمحوا بمرور السلاح لحزب الله، والذي رأيتم ما قدمه من تضحيات في مواجهة أعداء الأمة، لكنّه الآن صار محاصرا، لا من العدو، وإنما من الذين دعمتموهم، والذين تحوّل دورهم هو حماية ظهر الكيان، وخدمة أمريكا ومشروعها في المنطقة.
ورابع هذه التمنيات أن تحموا مصر من الكيد المدبّر لها، والذي يحاول أن يستخدمكم، كما استخدمكم في سورية وليبيا؛ فالجيش المصري ـ مهما اختلفتم معه ـ هو الحصن الذي يحمي بلادكم، فحذروا من كل من ما يسيء إليه، وتبرؤوا منه، وانظروا إلى ما حصل لسورية بعد انهيار جيشها، حيث تمكّن العدو من التوغل فيما لم يكن يحلم بالتوغل فيه.
وخامس هذه التمنيات أن تفكّروا بمنطق الأمة، لا بمنطق الجماعة، وبمنطق تحقيق المكاسب، لا بمنطقة الثارات.. فمهما أخطأ إخوانكم في حقكم، في مصر أو غيرها، فهم سيظلون إخوانكم؛ فصوّبوا سهامكم إلى أعداء الأمة، واتركوا الخلافات الداخلية، فالأعداء لا يستثمرون إلا مثل تلك الخلافات لينسلوا من خلالها، لا للتخلص من أعدائكم، وإنما للتخلص منكم أيضا، وقد رأيتم بأعينكم ما حصل لكم في سورية بعد أن استخدموكم في التحريض ما استخدموكم، لكن عندما جاء وقت الحصاد سلموا الغنائم لغيركم، ممن لا يتناسب منهجهم الطائفي المتطرّف مع منهجكم الوحدوي المعتدل.
وسادس هذه التمنيات أن تنظروا في هؤلاء الذين يستقبلونكم في تركيا وقطر، وهل هم يفعلون ذلك لوجه الله، أم ليحسنوا صورتهم للعالم؟ وإن أردتم أن تتأكدوا فأصدروا بيانات تستنكر وجود القواعد الأمريكية في قطر، والتي تنطلق منها الطائرات لضرب إخوانكم المسلمين، ومثلها استنكروا التطبيع والعلاقات الاستراتيجية التي يقوم بها أردوغان مع الكيان، لأنه لا يصح أن تقعوا في التطفيف، وفي الكيل بالمكاييل المزدوجة.
وسابع هذه التمنيات أن تعودوا لفكر سيد قطب الذي يحذّركم من أمريكا ومن الاستكبار، ويدعوكم إلى الوحدة، والسعي لتحقيق الحاكمية الإلهية، وأنتم تعلمون جيدا أنه لولا سـيد وفكره ما انتشرتم في الأرض، بل إنه حتى المرشد الأعلى الذي أرسلتم له رسالتكم المحترمة يحترم سـيد كثيرا، بل ترجم بعض كتبه للعربية، لأن غرض الثورة الإسلامية في إيران هو تحقيق الحاكمية الإلهية، ومواجهة أعداء الأمة، وتحقيق الوحدة الإسلامية.. وهكذا ندعوكم إلى اعتماد كبار علمائكم ومثقفيكم أمثال سليم العوا وفهمي هويدي وكمال الهلباوي ومحمد الغزالي وغيرهم من الحريصين على الوحدة الإسلامية مراجع لكم، بدل أولئك الذين تسلّلوا واخترقوكم، وهم في حقيقتهم لا علاقة لهم بكم، ولا بالفكر الذي قامت عليه جماعتكم.
نتمنّى أن تحققوا هذه الأمنيات، وأن تعمّموها لكل من يدعي الانتساب لكم، وتتبرؤوا علنا من كل من يشوّهكم، أو يرفع السلاح على إخوانه، في نفس الوقت الذي يحمل فيه اسمكم.. وإن فعلتم ذلك، فسترون كيف تقبل الأمة عليكم، فهدف الأحرار ليس انتصار أي جماعة على جماعة، ولا طائفة على طائفة، وإنما انتصار الإسلام.. ونحن مطالبون بأن نمدّ أيدينا بالمبايعة لكل من يساهم في ذلك الانتصار، ووالله لو أن المنتسبين لكم رفعوا السلاح في وجه أعداء الأمة بدل إخوانهم لكنّا أول من يؤيدهم، بل يبايعهم.. فالإسلام فوق الطوائف والجماعات والجغرافية وكل شيء.. لأنه دين الله رب العالمين جميعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ.د. نور الدين أبو لحية