المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خامنئي: سحقنا الكيان الصهيوني ووجهنا صفعة قاسية لأمريكا

    في أول خطاب له منذ انتهاء الحرب الأخيرة مع...

    عدن تشتعل بالأسعار بعد تجاوز الدولار حاجز 3 آلاف ريال

    تشهد مدينة عدن موجة غلاء غير مسبوقة، بعد أن...

    إيران تنتصر… معركة يونيو 2025 تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الأمة

    في الثالث عشر من يونيو عام 2025م، أقدمت “إسرائيل” على فتح جبهة عدوان مباشر ضد إيران، متوهمة أن بإمكانها إعادة إنتاج نموذج الضربات الخاطفة التي لطالما اعتمدت عليها في رسم توازنات الإقليم. أعلنت تل أبيب حينها أن هدف الحملة هو إسقاط النظام الإيراني وإنهاء طموحاته النووية، وأرفقت ذلك بخطاب تصعيدي غير مسبوق، متكئة على دعم أمريكي سياسي وعسكري ضمني، وسكون إقليمي يُغريها بالمضي في مغامرة محفوفة بالمخاطر. غير أن الوقائع التي أعقبت الساعات الأولى من الهجوم لم تلبث أن قلبت الصورة رأسًا على عقب، إذ وجدت “إسرائيل” نفسها خلال أقل من اثني عشر يومًا في وضع لم تعهده منذ تأسيس الكيان، في مواجهة منظومة مقاومة متعددة الجبهات، وخصم يمتلك فائضًا من الإرادة والقدرة على المبادرة.

    جاء الرد الإيراني حاسمًا منظمًا، وموجعًا في توقيته ونوعيته وجرأته، ليعيد الكيان إلى حجمه الطبيعي، ليس فقط من خلال عدد الضربات ودقتها، بل بما تحمله تلك الضربات من رسائل عسكرية وسياسية، تجعل من هذه الجولة نقطة تحول في طبيعة الصراع الممتد بين محور المقاومة من جهة، ومحور الهيمنة الأمريكية –الصهيونية من جهة أخرى. إذ في أقل من اثني عشر يومًا، تبدد الوهم الإسرائيلي، وسقطت القبة الحديدية ومعها صورة الجيش الذي لا يُقهر، وتكشفت هشاشة الجبهة الداخلية التي طالما تغنت بها تل أبيب، وتحولت المدن الكبرى إلى مدن أشباح، وانتشرت مشاهد النزوح والهلع في تل أبيب وحيفا وبئر السبع، ولم يعد الكيان الصهيوني قادرة على إقناع جمهوره بأنه الملاذ الآمن لليهود.

    ولعل الدرس الأكثر قسوة لـ”إسرائيل” تمثل في أنها دخلت المعركة بزهو الهجوم، وخرجت تتوسل وقف إطلاق النار، بعدما تلقّت ضربات بالغة العمق دمرت مراكز القيادة والسيطرة، وعطلت قواعد عسكرية حيوية، وجعلت من سماء فلسطين المحتلة فضاءً مفتوحًا للصواريخ والطائرات المسيرة، في مشهد لم تعرفه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منذ تأسيس الكيان، بل حتى في ذروة الحروب العربية–الإسرائيلية الكلاسيكية، لم تصل المعركة يومًا إلى هذه الدرجة من الانكشاف والانهيار. ولنا أن نتذكر كيف أن الهجرة العكسية في الكيان بدأت حتى بعد النصر الساحق له في حرب 1967، فكيف يكون الحال اليوم وقد تم تسوية أحياء كاملة في قلب تل أبيب بالأرض، وضُربت أعصاب الاقتصاد والمجتمع الصهيوني في العمق.

    أما إيران، فقد خرجت من هذه المواجهة أكثر قوة، لا لأنها صدّت العدوان فحسب، بل لأنها أثبتت للعالم – والأهم للأمة – أنها تملك القدرة على الردع وعلى الهجوم معًا، وأن مشروعها في بناء محور مقاومة ليس مشروعًا إعلاميًا أو خطابًا ثورويًا، بل هو بنية استراتيجية مكتملة الأدوات، قادرة على خوض معركة متعددة المستويات والجبهات، مع عدو يمتلك أقوى الدعم الغربي وأحدث منظومات التسلح.

    لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية أن حضورها في الجغرافيا السياسية للمنطقة ليس عابرًا ولا طارئًا، وأنها حين تُستفز فإنها لا ترد بالحد الأدنى بل تقلب الطاولة على رأس المعتدي، دون أن تخشى التصعيد أو العزلة أو الحرب، وهذه رسالة للغرب ولحلفائه أيضاً من صهاينة العرب.

    وقد كان واضحًا منذ الضربة الأولى أن طهران لا تواجه تل أبيب وحدها، بل تواجه معها كل غرف العمليات المرتبطة بالسيطرة الغربية على المنطقة، من القواعد الجوية في الخليج إلى غرف البنتاغون في واشنطن، وهذا ما يفسر الحملة الإعلامية الموازية التي قادتها دول الخليج، وعلى رأسها قطر، لتبرير العدوان وتغطية المشاركة فيه، إعلاميًا أو لوجستيًا، من خلال القاعدة الأمريكية في العديد، الأمر الذي لم يعد خافيًا بعد أن تسابقت القنوات القطرية – وخاصة الجزيرة – على نقل أخبار التحشيد الأمريكي من غوام، متوهمة أن بإمكانها صرف الأنظار عن حقيقة أن الضربة الأساسية جاءت من الخليج، وأن المشاركة الخليجية لم تكن صامتة، بل فاعلة وناشطة سياسيًا ومخابراتيًا.

    لقد أثبتت إيران أنها تملك الكلمة الفصل، لا لأنها تسعى إلى الهيمنة كما يزعم خصومها، بل لأنها الوحيدة التي بقيت في هذا الشرق على عهد فلسطين، وعلى وعد القدس، وعلى خيار الأمة، في زمن ارتدت فيه أكثر العواصم العربية أثواب الخيانة باسم الواقعية السياسية، وانخرطت في تدمير الذات الجماعية للأمة بتوقيع اتفاقيات عار مع العدو، لا تحفظ شرفًا ولا تحقق سيادة.

    وهكذا يمكن القول إن معركة يونيو 2025م لم تكن مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل كانت إعلانًا صريحًا بانتهاء عصر التفوق الإسرائيلي، وبداية التحول الجوهري في موازين القوى، حين تتكسر الأسطورة، وتنهار القلعة التي أوهمونا أنها لا تسقط.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img