المزيد

    ذات صلة

    الأكثر مشاهدة

    خلف العدو في كل مكان

    إزاء جبروت وغطرسة وإسراف كيان العدو في القتل والذبح...

    خبراء فلسطينيون: اليمن يخلط أوراق الصراع.. ميزان القوى ينقلب وإسرائيل تفقد السيطرة

    وسط تعتيم إعلامي إسرائيلي متصاعد، بدأت الحقائق تتسرّب من...

    لا دين لمـن لا كرامــة له

    ليست هذه العبارة مجرد شعار عاطفي أو تعبيرًا عن حالة نفسية، بل هي خلاصة تجربة إيمانية ومعرفية عميقة تعلمناها من خلال المشروع القرآني الرائد الذي أسسه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، ويواصل حمل لوائه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي. هذا المشروع أعاد ربط الناس بالقرآن الكريم كمنهج حياة، وكشف عن الترابط الوثيق بين الدين والكرامة، باعتبار أن الكرامة هي الثمرة الطبيعية للإيمان الصادق، وأن الذل هو نتيجة الانحراف عن الدين الحق.

    فالله عز وجل في كتابه العزيز لم ينزل الإسلام لإذلال البشر، بل قال:
    ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70).
    فالتكريم الإلهي للإنسان هو أصلٌ من أصول الوجود البشري، وجوهر الدين هو تحرير الإنسان من عبودية الطاغوت، قال تعالى:
    ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى﴾ (البقرة: 256).

    والتاريخ يشهد أن كل الأنبياء كانوا دعاة للكرامة، ومحطمين لأصنام الذل والهوان، بدءًا بإبراهيم عليه السلام الذي قال لأبيه ولقومه بكل جرأة وكرامة:
    ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ (الزخرف: 26)،
    وانتهاءً بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي دخل مكة فاتحًا، مطهِّرًا للكعبة من الأوثان، معلنًا بذلك نهاية كل صور الإذلال والخضوع لغير الله.
    لكن ما نشهده اليوم من خنوع في واقع الأمة الإسلامية ومن قبولها بسيطرة الأعداء، يعكس انهيارًا خطيرًا في الوعي الديني، وتحول الدين إلى مجرد طقوس خاوية، لا علاقة لها بالكرامة والعزة. لقد أصبحت الجماهير تصلي وتصوم، لكنها في ذات الوقت تُدار من قبل طغاة عملاء للصهاينة، وتحكمها أنظمة خانعة تخشى أمريكا أكثر مما تخشى الله.

    وقد بيّن الله أن الإيمان لا يستقيم مع الخضوع للعدو، فقال:
    ﴿لَن يَجعَلَ اللَّهُ لِلكافِرينَ عَلَى المُؤمِنينَ سَبيلًا﴾ (النساء: 141)،
    لكن الواقع يقول العكس: لقد أصبح للصهاينة والغرب الكافر ألف سبيل على المسلمين، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا وحتى ثقافيًا.
    وما نراه اليوم في غزة هو النموذج الأكثر فجاجة لهذا الانحدار. غزة تُذبح على مرأى ومسمع من مليار ونصف مسلم، ولا أحد يتحرك إلا ببعض بيانات الشجب الباردة والمحكومة بسقف أنظمة التطبيع. فلو كانت لهذه الأمة كرامة، لما قبلت بأن يُحاصر أهل غزة بالحديد والنار، ويُمنع عنهم الدواء والغذاء، بينما تُفتح مطارات الخليج لاستقبال وزراء الصهاينة بالورود.

    ولولا غياب الدين الحقيقي، لما أصبحت الشعوب تتهافت على تقبيل يد الجلاد، وتمجيد الطغاة، بل والدعاء لهم على المنابر، وكأنهم أولياء الله!
    وقد قال الله عز وجل:
    ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ (المائدة: 55)،
    فكيف أصبح اليهود أولياءنا والطغاة أئمتنا؟!
    وما لم تُصحح المفاهيم ويُستعاد الدين في حقيقته، دينًا محررًا لا مستعبِدًا، فإن الواقع سيظل كما هو بل أسوأ. التغيير يبدأ من داخل النفوس، كما قال الله تعالى:
    ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)،
    ولا يمكن لأمة أن تنتصر لكرامتها، وهي مهزومة دينيًا، مفككة وعيًا، مرتهنة لقوى الهيمنة، تمارس الطاعة العمياء للحكام العملاء باسم الدين الزائف.

    إن المشروع القرآني، بما يحمله من مفاهيم أصيلة، أعاد إحياء الكرامة الدينية والسياسية، وربط بين النضال ضد الهيمنة الغربية وبين الإيمان الحقيقي. وقد برهنت التجربة اليمنية، رغم الحصار والحرب، أن الإيمان يخلق رجالًا أحرارًا، وأن التمسك بالقرآن يثمر كرامةً وصمودًا لا يُكسر.
    ومن هنا فإن استعادة كرامة الأمة لا تكون بالخطب ولا بالشعارات، بل بالعودة الجادة إلى الدين كما أراده الله، لا كما أرادته الأنظمة الفاسدة والمخابرات الأجنبية.

    فالإسلام دين عزة، والقرآن كتاب مقاومة، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قائد ثورة على الطغيان، ومن يتبعه بحق، لا يمكن أن يكون ذليلاً، وهكذا هي مسيرة قرناء القرآن من آل بيته، ومخالفتهم تنحدر الأمة نحو الطغيان وعبادة العباد تحت عناوين مذلة، كما هو حال الناس في السعودية وغيرها، فالناس هناك ملزمون بتقديس آل سعود وطاعتهم في جميع الظروف، فيما آل سعود خانعون أذلاء للصهاينة، وهذه هي حصيلة الانحراف عن الدين واستبدال دعاة الباطل بأئمة الحق.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    محمد محسن الجوهري

    spot_imgspot_img