عندما أرى هذه القامة العربية العظيمة التي حفرت اسمها في وجه التاريخ، وتفوقت على نيلسون مانديلا، أحس بالخجل مما صار عليه المسلمون الذين باعوا بلادهم ومساجدهم ونبيهم وأقصاهم، وصاروا “إبراهيميين” من أجل كرسي حكم، ووهم أموي سخيف.
عندما أسمع هذا المسيحي العربي، فإني أرتجف من تأثري.
أتذكر كم قدم المسيحيون العرب من أجل أرض العرب وعزة العرب والمسلمين، وكم تهافت المسلمون وتناقضوا، وصار بسببهم دينهم بلا هدف نبيل، بل صار ديناً للدنيا. وصارت الأفكار الوطنية هي الدين الذي يجب أن يحل محل هذه الأديان الدنيوية الباحثة عن السلطة، والمليئة بالكراهية والعنصرية والوهم والخرافات والجهل.
جورج ليس آخر المسيحيين الذين يحملون سراج المسيح ليضيئوا به للمسلمين الضالين هذه الأيام.
قبله كان جول جمال أول استشهادي عربي، وهو المسيحي السوري، وقبله كان أنطون سعادة، وكان فارس الخوري. ولم تتوقف الكنائس المشرقية عن تقديم قرابينها. سرحان بشارة سرحان، مسيحي فلسطيني، أقدم على قتل روبرت كينيدي لأنه سمعه يقول إنه سيرسل 50 طائرة فانتوم لإسرائيل.
الأب مانويل مسلم، والأب عطا الله حنا، والأب إلياس زحلاوي، وجورج حبش، وابتسام حرب، وسهى بشارة… والقائمة لا تنتهي أبداً.
وجورج عبد الله، ومضة من البرق أومضت ولمعت في هذا الظلام الإسلامي الدامس.
هذا ما يخيف الغرب الذي يريد تدمير المكونات الأصيلة، من الأقليات التي لم تتمكن القوى الاستعمارية من اختراقها اجتماعياً وثقافياً، وحافظت على أصالتها وارتباطها بالشرق. فبدأ بتدمير المسيحيين الفلسطينيين، ثم حاول تدمير المسيحيين اللبنانيين باختراقهم، ثم دمر المسيحيين في العراق، والآن يعمل على إفراغ سورية من مسيحييها… وكل أقلياتها المتنورة.
في الوقت الذي اخترق فيه القوى الاجتماعية الإسلامية، وخاصة السنية، منذ الاختراق البريطاني في الحجاز، وتنصيب الثقافة الوهابية على مكة والحج الإسلامي، وتدمير منبع الإسلام فكرياً. وقد وصل الوباء إلى كل العالم الإسلامي خلال العقود الماضية، ويبدو أنه استقر هذه الأيام في سورية، التي كانت مركز النهضة واليقظة والتنوير المشرقي، والوعي الإسلامي الحقيقي.
وبدأت عملية تدميرها الفكري وتدمير وعيها وثقافتها، وإطفاء أنوارها التي أضاءت الشرق منذ مئة سنة ولم تنطفئ حتى مساء 8 ديسمبر 2024.
هل من دين وطني يدخل فيه الناس أفواجاً؟
إن الردة ليست في الخروج من الإسلام، بل من البقاء في الإسلام الذي ارتد عن الإسلام.
جورج عبد الله… شكراً لك، لأنك قبس مضيء في هذا الشرق يضيء لنا ديننا وضميرنا… لأننا كدنا نرتد من كثرة ما نرى من دين تاه في الإبراهيميات والخِيانات والجاهلية…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نارام سرجون