أبرمت القاهرة اتفاقية وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ تجارة الغاز مع كيان العدو الإسرائيلي، بقيمة خمسة وثلاثين مليار دولار تمتد حتى عام 2040، في خطوة فجرت موجة واسعة من الجدل داخل الأوساط السياسية والإعلامية المصرية، حيث يرى مراقبون أن الاتفاق يشكل ارتهانًا اقتصاديًا خطيرًا لجهة معادية ويهدد الأمن القومي في لحظة سياسية حساسة.
ورغم أن وسائل الإعلام العبرية وصفت الصفقة بأنها إنجاز اقتصادي مشترك، إلا أن المخاوف المصرية تركزت على احتمال تحول الاعتماد على الغاز القادم من كيان العدو إلى ورقة ضغط سياسية قاسية يمكن استخدامها لتعطيل قطاعات الصناعة والكهرباء وشل الحياة الاقتصادية في البلاد، خصوصًا أن العدو سبق وأن لجأ إلى هذه السياسة في أزمات سابقة.
وجاء توقيع الاتفاقية في توقيت اعتبره محللون تنازلًا سياسيًا فاضحًا، إذ تزامن مع تصاعد العدوان على غزة، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أولويات السياسة الاقتصادية المصرية وموقعها من قضايا الأمة.
وفي خضم هذا الجدل برز سؤال حاد في الشارع المصري حول غياب الغاز المصري، فقد كان حقل “ظُهر” يُسوَّق قبل سنوات على أنه الضامن للاكتفاء الذاتي، فما الذي دفع مصر اليوم إلى مضاعفة وارداتها من الغاز من حقل “ليفياثان” التابع لكيان العدو إلى ما يقارب مئة وثلاثين مليار متر مكعب.
وهي أكبر صفقة تصدير في تاريخه، بينما يتراجع إنتاجها المحلي من واحد وسبعين مليار متر مكعب عام 2021 إلى خمسة وأربعين مليار متر مكعب فقط عام 2024، في وقت يتجاوز فيه استهلاكها السنوي سبعين مليار متر مكعب، ما وصفه خبراء بأنه حكم بالإعدام على قطاع الطاقة الوطني.
المجلة الاقتصادية العبرية “غلوبس” ذهبت إلى أن الصفقة تمثل انفجارًا إقليميًا ليس فقط لحجمها بل لتوقيتها، فهي تمنح كيان العدو أكبر دفعة استراتيجية في لحظة تتراجع فيها مكانته الدولية بسبب عدوانه على غزة، كما أنها تكشف عن شبكة علاقات وثيقة نسجها الرئيس التنفيذي لشركة “نيو ميد” المشغلة للحقل مع كبار المسؤولين في قطاع الطاقة المصري، وهي علاقات ساعدت على إنضاج المفاوضات في ظرف عامين فقط، رغم أن هذه الفترة تشهد حربًا مفتوحة في المنطقة.
ومن المقرر أن تبدأ المرحلة الأولى من الاتفاق في العام المقبل، بتوريد نحو عشرين مليار متر مكعب من الغاز لتغطية العجز الحاد في السوق المصرية، وهو ما يراه معارضو الصفقة ارتهانًا طويل المدى لأمن الطاقة المصري بيد كيان العدو.